بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 أيلول 2020 12:02ص لبنان «نقطة آمنة» في اشتباك شرقي المتوسط!

من العنبر 12 إلى بواخر الدول

حجم الخط
انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، حيث هناك، كانت تختزن نيترات الأمونيوم ببضعة أطنان، وفّر العامل المحفز لتنهي الإدارة الفرنسية التردد تجاه لبنان. وتقرر مع إيمانويل ماكرون، وفريق العمل الذي يلعب دوراً تقريرياً، وليس استشارياً لديه، أن الانفجار هو الميعاد الزمني، في سياق تاريخي للتدخل وإعلان لبنان، دولة فاشلة، تحتاج إلى رعاية جدية، وحتى وصاية على غرار الدور الذي لعبه حافظ الأسد (الرئيس السوري السابق) قبل اتفاق الطائف وبعده.

أبعد من الحسابات الفرنسية، ذات الصلة بالنوستالجيا الانتدابية، وحتى الاستعمارية، كان توقيت الانفجار مناسباً، لإعلان أن مرحلة جديدة بدأت، باستعادة النفوذ الفرنسي بدءاً من لبنان في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

كل العناصر الضرورية للاضطلاع بدور فرنسي انقاذي في لبنان اكتملت:

- دول المركز ممثلة بالولايات المتحدة والاتحاد الروسي لا تمانع من دور فرنسي في لبنان، وإن كان التحفظ أو الاعتراض، لا بأس بهما إذا اقتضت لعبة المصالح الكبرى.

- دول الاقليم الكبرى، إذا صحت التسمية، لا تتفق على تقييم واحد للدور الفرنسي من زاوية اضطرابات وحسابات راهنة وتاريخية. إسرائيل يهمها دور باريسي، فهو يعني توريطاً من جهة، وإقحام للأليزيه على حساب دول المحور، لا سيما إيران وسوريا ووراؤهما حزب الله.

إيران، قدمت نفسها من زاوية المسهل للدور الفرنسي، فأمامها الاتفاق النووي، وفرنسا، هي مفتاح غربي للتفاعل مع مجموعة 5 + 1 الراعية للاتفاق النووي، فضلاً عن تأثيرها في النظام الدولي، ولو كان هذا التأثير محدوداً.. ولبنان هو ساحة للتفاوض، والبيع والشراء، أو تبادل المصالح والمنافع.. والإيراني هنا، يسهّل من حساب غيره، ولمصلحة حليفه حزب الله والتيار الوطني الحر، فضلاً عن الرئاسة الأولى.

أمَّا المملكة العربية السعودية ومعها عدد من دول الخليج، فلها حسابات أخرى، لا تتعلق بالدور أو بالنفوذ، أو لعبة المصالح، بل بخيارات أبعد من ذلك، إلى ما يمكن وصفه «بلعبة التعايش». لا تريد الرياض التعايش على أرض واحدة مع دول المحور أو حتى حزب الله، فالمعركة، هنا «كسر عظم»، لكن  لا دور سعودياً لإعاقة العودة الفرنسية القوية إلى لبنان.

الإستنتاج الأولي والطبيعي ان لا إعاقة لمساعي ماكرون، باستثناء الموقف التركي الاردوغاني، الذي يعتبر البواخر الفرنسية في المتوسط، آتية «لكش» البواخر التركية، من هذه المنطقة، لئلا يتحوَّل هذا الحوض الحيوي «للعبة المصالح» في الشرق الأوسط إلى ورقة ضغط تركي على فرنسا والاتحاد الأوروبي، مع إعادة احياء المسألة الشرقية، في النسخة الثالثة، والتي تعني عدم السماح مجدداً للتأثير التركي في جغرافيا مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، عندما طُرد العثماني من أوروبا، ثم جاءت أوروبا إلى أراضي السلطنة التاريخية، وأعادت توزيعها تحت شعار تصفية تركة «الرجل المريض»، وهي التسمية التي أطلقها قيصر روسيا نقولا الأول على السلطنة العثمانية، التي كانت آيلة إلى السقوط، منذ أن بدأ التفكك يعتري ولاياتها المترامية الأطراف، وعلى امتداد القارات الثلاث في العالم القديم..

ليس حدثاً عادياً ان يحوّل رجب طيب أردوغان كنيسة آيا صوفيا التاريخية إلى جامع، يتقدّم المصلين فيه، لدى افتتاحه هو شخصياً، في تحدٍ، غير مسبوق للإرادات الأوروبية والغربية، على وجه التحديد، الفرنسية..

على المسرح اللبناني، ثمة وجود تركي، يعرف أولو السياسة والأمن، أين هو، وكيف يعمل، ولأية  أجندات.. هنا يمكن الحديث عن مجابهات ممكنة، ولكن بتأثير تركي، قد يكون محدوداً..

هكذا يقتحم ماكرون المشهد اللبناني، مدركاً للعواقب الماثلة امامه، وفي الوقت نفسه غير عابئ، بقلاقل «إقليمية»، بصرف النظر عن مسمياتها، ومدى توافر شروط عملها، الموضوعية والذاتية، المؤثرة سلباً.

لم تصدر موسكو أي موقف داعم، لكن دبلوماسييها في بيروت يعكفون على جمع معطيات، تشكك في الدعم الأميركي لدور ماكرون، الواضح في بيروت..

لا أحد لديه وهم ان الأميركيين أو الروس، أو حتى اللاعبين الاقليميين بإمكانهم تقديم «شك على بياض» لماكرون، الذي هبط، ذات ليلة عند سواحل مرفأ بيروت، بحثاً عند تعويم «القدم الفرنسية» التاريخية، وسبقه إلى الشواطئ أردوغان من سرت، وطرابلس الغرب، في وقت كان فيه الأميركي الذي أطاح بنظام صدام حسين، يلعب لعبته البريطانية، في العراق بمبدأ انكليزي معروف «فرّق تسد».. فنظام الحكم لم يستوِ بعد، بالرغم من حلول الشيعة مكان السنّة، في إدارة البلد، بعد الحكم الذاتي للأكراد، والتجربة الآيلة للسقوط هناك..

عواصم عربية، ذات ثقل في الدوران الاقتصادي، وذات مكانة استراتيجية وتاريخية، هي على جدول التعهد الدولي والإقليمي..

في بنية الحذر الإقليمية والدولية هذه، يلعب الأفرقاء المحليون، لعبة «القط والفأر»، وكأن لا شيء جرى في هذا البلد.

وعلى الرغم من اللغة غير المسبوقة، التي خاطب بها الرئيس ماكرون، ما يعرف بأركان السلطة، أو الرؤساء، والوزراء والسادة النواب في مجلس «سيّد نفسه»، والتعهد بأنهم سائرون نحو حكومة جديدة، وخارطة، طريق، قوامها إصلاح النقد والنظام المصرفي وقطاع الكهرباء، قبل ان يسقط الهيكل على الجميع، بواسطة حكومة من «اختصاصيين» اختير لتنسيق أعمالها ورئاستها، السفير «الأكاديمي» مصطفى أديب..

لا حاجة لكثير عناء، فغداً  لناظره قريب، بعد يوم الأربعاء، تبدأ معالم المرحلة بالظهور، في وقت اندفعت فيه القوى الخاسرة من انهيار حكومة حسان دياب إلى ترتيب توزيع الخسائر، بطريقة عادلة بحيث إذا خسرت حركة «امل»، ومعها الشيعة حقيبة المال، فلا بأس من ان يتخلّى جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، عن احلامه، ويسلّم باخفاقاته في وزارة الطاقة، والخارجية، وكل الوزارات التي تناوب على ادارتها مسيحيون ينتسبون إلى تياره..

لكن الثابت، أن قوى الأمر الواقع «الطائفية»، ما تزال تلعب عنده حافة الهاوية، ولا تريد من مبادرة ماكرون إلَّا تنظيم خسائرها، والتقاط الأنفاس، لجولات قاتلة جديدة مستفيدة من الوقت الدولي الضائع، لحين بلورة إدارة أميركية جديدة..