بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيار 2020 12:01ص وأخيراً طوَتْ بيروت صفحة شبيب فأهلاً وسهلاً بالمحافظ الجديد

حجم الخط
ستُّ سنوات عجاف عاشتها بيروت وبلدية بيروت إنتهت اليوم. 

ستُّ سنوات من العنجهيّة والتكبّر والكيدية إنتهت اليوم. 

يوم أنتُدِب القاضي زياد شبيب محافظاً لمدينة بيروت ورئيساً للسلطة التنفيذية في البلدية، هلّل البيارتة الطيبون فرحاً، واستبشر رئيس بلدية العاصمة ومجلسُها خيراً بعهدٍ جديدٍ من التعاون والتنسيق والعمل المثمر من أجل بيروت وأهلها الطيبين.

لم يدم الوقتُ طويلاً، بل سريعاً كُشِف القناعُ وكانت المفاجأةُ بل الطامةُ الكبرى. فإذا بنا أمامَ قاضٍ يعتبرُ نفسَه المرجعيةَ القانونيةَ الوحيدة بل الأب الشرعي للقانون الإداري، ولقد هيّأت له طموحاتهُ أنه الحاكمُ بأمره والوالي على بيروت وعلى المجلس البلدي وقرارته، فراحَ يغتالُ النصوصَ القانونية ويعملُ على استحداث أعرافٍ وممارساتٍ لم يسبقْه إليها أيُّ محافظ سابق. وتناسى شبيب أنَّ المجلسَ البلدي المنتخب من أبناء العاصمة هو السلطةُ الأم التي تشرّعُ وتضعُ الرؤى والخطط والمشاريع وتصدّرُ القرارات، وأنَّ قانونَ البلديات يوجبُ عليه كرئيس للسلطةِ التنفيذية في البلدية تنفيذ قراراتِ المجلس البلدي كما ويعطي القانون المجلس البلدي حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

هذه القاعدة القانونية التي يجهلها كثير من البيارتة لم تكن تعني للقاضي شبيب أي شيء. فهو الذي يقررُ القاعدة القانونية وبالتالي كرّت سبحةُ المخالفات والتجاوزات. فكانت الإستنسابية هي السلوك الفاضح في ممارسات القاضي شبيب، ينفّذ ما يشاء وما يتلاءم معه من القرارات، ويترك الأغلبية الساحقة من القرارات التي تتعلق بالتنمية والإستجابة لمصالح الناس تنامُ في الأدراج المظلمة غير آبهٍ بمصلحة المدينة وحاجات أبنائها.

الأدهى من ذلك، وعبر اجتهاداتٍ لا أساس لها، راح يتوسّع في مفهوم الصلاحيات، لدرجة أنه اعتبر نفسه رئيساً للبلدية وناطقاً بإسمها، وقرارات المجلس البلدي المنتخب من أبناء بيروت هي مجرد توصيات غير ملزمة له. وبالتالي صار الإعتداءُ على صلاحيات المجلس البلدي أمراً عادياً لا يجب الوقوف عنده، الأمر الذي أدّى إلى استفحال الخطر وإلى تهميش المجلس البلدي ودوره وإلى تراجع في المشاريع التنموية للعاصمة. علماً أنني قمت خلال السنتين اللتين عايشت خلالهما القاضي شبيب في بلدية بيروت بالتصدّي لتجاوزاته بحزم ورفع الصوت حفاظاً على صلاحيات المجلس البلدي وصلاحيات رئيسه. وتمكنّا أنا والمجلس وبصعوبة كبرى من تحقيق بعض المشاريع خلال تلك السنتين على الرغم من العراقيل التي كان يضعها شبيب دائماً والبطء الكبير والمقصود في أغلب الأحيان في تسيير المعاملات الإدارية المتعلقة بتلك المشاريع، وعلى الرغم من وضعه مشاريع أخرى في الأدراج. الجدير ذكره أنني قمت مراراً وتكراراً بتوجيه عشرات الكتب الرسمية إلى سلطة الوصاية وغيرها من المراجع السياسية مفنداً مخالفات شبيب ومعترضاً على تجاوزاته ومعدداً القرارات والمشاريع النائمة في أدراجه. غير أنَّ كلَّ تلك الإعتراضات بقيت صرخةً في وادٍ.

والأمثلة على تجاوزات وممارسات القاضي شبيب كثيرة، ولا مجال لذكرها في هذه العجالة، ولا بأس من التذكير ببعضها:

1- وضع عدد كبير من المشاريع التي أنجزها المجلس البلدي الذي كان لي شرف ترؤسه في أدراج النسيان كمشروع المحتوى الثقافي لمتحف «بيت بيروت» ومشروع المختبر المركزي لمدينة بيروت ومشروع تحويل ميدان سباق الخيل إلى حديقة بيروت المركزية ومشروع ترميم محطة شارل الحلو ومشروع إعداد مسح شامل للأبنية القديمة في مدينة بيروت ومشروع إعداد الخارطة الموحدة لتخطيطات بيروت ومشروع تأهيل الحرج وإنشاءاته وإنشاء حديقة نباتية على قسم منه وغيرها من المشاريع الإنمائية الهامة لمدينة بيروت.

2- إحاطة نفسه بجيش من المستشارين والمرافقين والمستفيدين والمستلزمين بحيث أصبحت بعضُ ملفاتِ البلدية وقرارات المجلس البلدي تتنقَّل من مستشار إلى آخر مما فاقم التأخير الكبير في إنجاز المعاملات والملفات الإدارية المتعلقة بقرارات ومشاريع المجلس البلدي.

3- إفتقار بعض مراسلاته إلى رئيس المجلس أصول اللياقة والإحترام وآداب التخاطب.

4- إجازة إستعمال أملاك البلدية وتخصيص بعضها دون قرار من المجلس مصدق وفقاً للأصول.

5- رفع إشارات إستملاك عن عقارات وشطب تخطيطات عن عقارات أخرى دون قرار من المجلس البلدي.

6- بيع عقارات بالتراضي دون إجراء مزايدات قانونية ودون موافقة المجلس البلدي.

7- تلزيم العقارات المخصصة كمواقف سيارات بالتراضي دون إجراء مزايدات قانونية يجريها المجلس البلدي.

8- الفرض على الجمعيات والهيئات الأهلية والإجتماعية والرياضية التواصل معه مباشرةً دون علم المجلس البلدي لإقامة النشاطات في أملاك البلدية وحدائقها دون قرار من المجلس البلدي.

9- تسمية أعضاء من المجلس البلدي في لجان يشكّلها دون الرجوع إلى المجلس وكأن الأعضاء موظفون يخضعون لوصايته.

10- ممارسة الكيدية على الموظفين في تعييناتهم ومناقلاتهم، وإجراء ترقيات إستثنائية ومناقلات بين فوجي الإطفاء والحرس مخالفة للقانون دون قرار من المجلس مصدّق وفق الأصول، ونفي أي موظف لا يخضع له إلى مصلحة المسلخ المقفل بقرار منه.

11- تعديل وجهات السير في عدد من شوارع بيروت دون صدور قرار من المجلس صاحب الصلاحية وقبول هبات (سيارات وموتوسيكلات) دون موافقة المجلس البلدي وتصديق سلطة الوصاية.

12- إنتشار فوضوي للوحات الإعلانية على أرصفة مدينة بيروت وفي ساحاتها وعند تقاطعاتها.

هذا غيض من فيض ستكشفه الأيام المقبلة وسيكون موثقاً في كتاب سأصدره لاحقاً. وإذا كنت لا أريد الجدال في تهم الفساد المنسوبة إلى القاضي شبيب لأنها مسؤولية القضاء والقضاء وحده، يبقى لي أن أعبّر عن أمنيتين عزيزتين على قلبي: 

1- الأمنية الأولى موجّهة للمجلس البلدي الحالي مع ما تبقّى له من ولاية، أن يستغل الفرصة السانحة وينتفض على نفسه وينبذ الخلافات بين أعضائه، وأن يتمسّك هو ورئيسه بصلاحيات المجلس وما تنص عليه المادة 47 من قانون البلديات: «كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة في النطاق البلدي من اختصاص المجلس البلدي»، وأن يتعاون مع المحافظ الجديد لوضع القطار على السكة السليمة للمضي قدماً في مشاريع التنمية، فبيروت تستحق والبيارتة يستحقون.

2- الأمنية الثانية موجهة إلى المحافظ الجديد، متمنياً عليه تحاشي الأعراف والممارسات التي كرّسها القاضي شبيب خلافاً للقانون ومبدأ الديمقراطية، مؤكداً له أن التعاون والتنسيق مع المجلس البلدي المنتخب من أهل بيروت هما الطريق الصحيح إلى بلدية يكون فيها المجلس والمحافظ جسماً واحداً يتفاعل بشكل إيجابي كلُّ من موقعه لتحقيق إنجازات حُرمت منها بيروت في السنوات القليلة الماضية، متمنياً له كل النجاح فبيروت تستحق والبيارتة يستحقون.



د. بلال سليم حمد 

الرئيس السابق لبلدية بيروت