بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آب 2020 07:23ص وحشية مشهد المرفأ: مصائب اللبنانيين لا تأتي فرادى!

حجم الخط
وكأنه لم يكفِ اللبنانيين مصائب ومآسي لكي تجتمع عليهم لعنة الأقدار وآخرها الأمنية بعد الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والانسانية!
مع كل ما يعانيه لبنان من كوارث ذات وجوه متعددة وسط اتجاه حثيث نحو الكارثة، كانوا أمس على موعد مع إنفجار ربطه اللبنانيون، المسيسين بطبعهم، بقرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري المقرر إعلانه غدا، بينما ذهب كثيرون، وبينهم سكان المنطقة والمحيط باستهداف اسرائيلي لمخزن ذخيرة تابع لـ«حزب الله»، بينما ذهب معظمهم في اللحظات الاولى الى اعتباره زلزالا يضرب لبنان للمرة الأولى في تاريخه لناحية قوته!
في منطقة المجزرة في المرفأ، يبدو المشهد مأساويا. قتلى ودماء وبكاء وعويل وسط الغبار والزجاج وحتى الحديد المتناثر. ومع بدء انقشاع الرؤية، تتبدى اكثر مأساوية المشهد حتى النكبة. فقد مُسحت منطقة الانفجار بالكامل! منعت كثافة النيران حتى رجال الامن من الاقتراب ناهيك عن المسعفين والاعلاميين وكل من هب للنجدة والبحث عن مفقودين تحت الحطام لم يكن في استطاعتهم التعويل في البدء على أكثر من طوافة انقاذية واحدة لإطفاء الحرائق! وكل من تسنى له الدخول الى مكان الحرائق خرج باكيا وراجيا من في الخارج عدم الدخول! لكن كيف ذلك واعداد المفقودين كانت في تصاعد جنوني بينما تسمّر كثيرون داخل المكان وتحت الشاحنات والمباني.. وفي البواخر! 
يمكن وصف مسرح الدمار بالكارثة الإنسانية بكل المعاني من دون الحديث عن مفاعيلها المقبلة التي يتناقلها سكان المحيط في الكرنتينا والصيفي والأشرفية وبرج حمود الذين جاء وقع الانفجار في المرفأ صاعقا عليهم، قبل ان يخرجوا من منازلهم ومكاتبهم ليطلوا بأسى على أرزاقهم وقد سُوت بالأرض وسط الحطام المتناثر بجنون والمنازل المشرعة على الغريب بعد فقدان واجهاتها!
هو الجنون بعينه إذ يطل من جديد على اللبنانيين ويزيده بشاعة ذلك الغموض الذي يحيط بحادث لا يمكن الجزم بطابعه الأمني أو السياسي، بينما تعامل سكان المنطقة بكثير من السخرية مع مقولة «المفرقعات» النارية التي سمع دويها عشرات الكيلومترات جنوبا وجبلا وشمالا!
وفي المحيط، لم يكن يخيل للسكان الآمنين أن يأتي الحدث من هناك بعد أن شهدت مناطق وسط بيروت والرينغ ومونو والصيفي والجميزة والأشرفية في الاشهر الاخيرة احداثا من نوع آخر بين المنتفضين على السلطة من ناحية، وأخصامهم من ناحية أخرى من مناصري أحزاب في الحكم أو من قوى أمنية حاولت قمع المنتفضين..
لكن في ساعات المساء، نزل سكان تلك المناطق المتداخلة طائفيا ومذهبيا الى الشوارع ليتفقدوا ما حدث، فجمعتهم المصيبة هذه المرة ولم تفرق بينهم شيعا ومذاهب وأحزابا وسياسيين. لذا حمل المشهد المليء بالغرابة الى حد الصدمة، أقاويل وإشاعات متخيلة حول صوت الطائرات قبل إلقائها الصواريخ على الهدف لتحيل حياة اللبنانيين الى رماد!
هي السياسة من جديد. يروي روجيه حداد وهو من سكان الصيفي والذي كان يمارس عمله من مكتبه في الجميزة حين الإنفجار، لحظات ما قبل وما بعد «هيروشيما»: كان كل شيء هادئا حتى دوى الانفجار الاول الذي صم الآذان.. وبعد لحظات قليلة وبينما هممت بالخروج مضرجا بالدماء لمعرفة ما حدث، دوى الانفجار الثاني الذي كان وقعه أكثر هولا!
ويروي جوزف مالك وهو المار بين منطقتي الاشرفية والنهر، تحديدا قرب شركة كهرباء لبنان المطلة على المكان، بكلمات مرتجفة، عدم تمكنه من العثور على مكان في مستشفيات قريبة من المنطقة نتيجة إكتظاظها بالمصابين! 
وتصرخ زوجته منددة بـ«البركان الذي ظهر أمامنا» ومثيرة صعوبة استجابة أقسام طوارىء المستشفيات مع المصابين. وروجيه الذي عايش سنين الحرب الاهلية يلفت النظر الى «أننا لم نختبر مثل ذلك قبلاً»، مستذكرا فترة «حرب المئة يوم» التي يشير إليها أهل المنطقة دوماً لشدة وقعها العنيف عليهم وغيرها من مراحل الحرب والقصف المدفعي على المنطقة «لكن الأمر اليوم (أمس) لم يكن شبيها، لك يكن شبيها أبداً».
وفي آخر ساعات الليل، إستمر السكان في البحث عن مفقوديهم وسط مخاوف من فوضى أمنية وسياسية وإجتماعية، لكن في ظل الكلام الهائل حول المواساة والإدانة، فإن الإدانة، حتى لو لم يكن العمل مدبرا، ستبقى كلمات بعيدة المنال وسيذهب التنديد أدراج الرياح كما هي العادة بينما ستلخص المقولة الشعبية حال من ذهب ضحية عبث السلطات المتعاقبة : راحت على إللي راح!
عمار نعمة