بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 آب 2020 12:02ص يا بيروت التي تسكنني

حجم الخط
أعرف أن أول طائرة في الجسر الجوي من الإغاثة الطبية والمساعدات، الذي أمر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بتسييره الى لبنان بعد دقائق من حصول الإنفجار المأسوي الكبير، الذي دمر المرفأ وحطم نصف حبيبتنا بيروت، أعرف جيداً أنه حمل معه قلوبنا الواجفة جميعاً وألمنا ووجعنا العميقين، نحن جميعاً هنا في المملكة العربية السعودية، التي عندنا لبيروت ولبنان مكانة عميقة ووشائج تاريخية، تحتل مساحة واسعة أخوية وعميقة في مشاعرنا ومحبتنا، كما في قلقنا ووجعنا على العاصمة الرائعة المغدورة والتي طالما مثلت وستبقى عروس العرب .

يا بيروت مدينة التاريخ، يا حبيبة الشعر والشعراء، يا بيوت القصائد، يا أم الشرائع، يا أيها الترجيع الساحر في عالمنا العربي، لقد أُدميت قلوبنا  وأنت مثخنة بهذا العدد من الشهداء وبجروح الأهل وآلام المحطمين، وبفيض من دموع الساحات والقرميد، يا بيروت التي عشقناها وعشقتنا، كيف لنا أن نمسح جراحك والدموع، وأنت تئنين مدمرة وجريحة وحزينة، فيا للهول ويا للوحشية، ويا لعمق المرارات التي تحفر في قلوبنا أمام هذه الجريمة البربرية تعرضت لها .

لقد عرفتك يا بيروت ويا لبنان ويا أيها الأحباء اللبنانيين جيداً، عرفتكم سفيراً سعيداً وأخاً عزيزاً عندكم، حيث توسعت الصداقات والعلاقات والأخوية التي لن تنقطع، والتي تحوّم داخل الصدور كما تحط أسراب الحمام على القرميد، وأكاد بكثير من التأثر والحزن أن أسمع الآن هنا في عسير، نواح ذلك البحر الذي طالما غسل أقدام المدينة الحبيبة المنكوبة، والذي طالما شاهدته يلقي تحية الصباح على سفارتنا ويرسل سلام الوفاء والود والمحبة إلى المملكة العربية السعودية، ولا عجب لأن بين بيروت والرياض علاقة سيامية لا تنفصم من المحبة والود وبصمات التاريخ.

الإنفجار المتوحش دمر العاصمة العربية الأصيلة، وترك وجعاً وأنيناً وجراحاً في أحاسيسنا حيال مدينة عشقناها وعشقتنا، إنني أعرف جيداً أن البشر والناس يسكنون المدن عادة، لكن بيروت هي المدينة الرائعة التي تسكنني حيثما كنت، والتي تسكنك وتبقى ساكنة في عمق محبتك مهما ابتعدت عنها، ولست أبالغ قطعاً لو قلت أن دوي التفجير الوحشي هزّ أركاني ونزل علينا في عائلتي ثقيلاً وموجعاً، ليس لأن لنا في بيروت أحباء وصداقات وأخوة فحسب، بل لأن بين وطني في المملكة وبين لبنان تاريخ من الأخوة والمحبة والحدب يعود إلى ٦٨ عاماً تحديداً يوم كان الرئيس المرحوم كميل شمعون أول رئيس لبناني يزور المملكة عام ١٩٥٢ليبدأ تاريخ أخوة راسخ في الماضي والحاضر والمستقبل .

وأعرف جيداً أن نصيحة الملك المؤسس ستبقى قلادة للتاريخ يوم قال لضيفه «إن نسيج لبنان وتعدد طوائفه ومذاهبه يعطيه ميزة وفرادة، وأن عليه البعد عن المحاور والتحالفات والتركيز على أهمية الحوار والتفاهم والتعاضد بين جميع الأطياف والأفرقاء اللبنانيين، لينعم بالأمن والاستقرار بعيداً عن الأطماع، وفي إطار من الوحدة الوطنية الراسخة التي تحميه وتصون إستقلاله» .

إنه التاريخ الذي جعل لبيروت مكانة في قلب كل سعودي وكل عربي مخلص، وها هو الإنفجار المجرم يجرح قلوبنا جميعاً، وأعرف جيداً أن طلائع الجسر الجوي السعودي إلى بيروت لم يحمل الإغاثة الطبية والمساعدات والإسعافات فحسب، بل حمل قلوبنا ووجعنا وهلعنا على بيروت المدينة الحبيبة، عاصمة لبنان الذي طالما وصفته السعودية بأنه واسطة العقد العربي .

كل الأسى وكل الألم وكل الرجاء أن يكون حبنا لبيروت ضمادات لآلام الذين فقدوا أحباءهم، ولجروج من يحتضنون جرحاهم، ولن أنسى قط يوم قلت للعائلة اللبنانية يوم كنت سفيراً في بيروت «أن سجلّ العلاقة الأخوية يجمع بلدينا بأرقام من محبة لا تحصى وبتوقيع من خمسة أحرف عزيزة : لبنان» . 

فيا بيروت الحبيبة أحزانك تغمرنا وجراحك تنزف فينا، ونحن كما كنا دائماً شقيقان سياميان والمملكة العربية السعودية بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين لا تقيم جسر الإغاثة والمساعدات فحسب، بل تقيم جسراً من القلوب التي تنبض في بيروت الجريحة، بيروت التي تسكنني .



السفير السعودي سابقاً في لبنان