بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 أيار 2017 12:15م إنّها مهمّتنا.. فلنبادر

ميرا جزيني عساف، عضو مؤسس في المركز الشبابي للحوار

حجم الخط

حمل عاما 2015 و2016 أرقاما مهولة لم تُسجّل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. تخطّى عدد المهاجرين في العالم الستين مليونا، فيما توفّي ما يقارب الثمانية آلاف مهاجر غرقا في البحر الأبيض المتوسط.

لم يستفق العالم على هذه الحقيقة المرّة إلا عندما طالته تداعياتها.. يا للأسف أنّ مشهد الموت غرقا في البحر في مسيرة الهروب من جلجلة الحروب، لم يحرّك الضمائر سوى هنينهات في غمرة بروباغندا السياسة ضدّ نظام قامع أو غيره.

زعزعت هذه الأرقام استقرار أوروبا وأشعلت النزعة القومية لدى شعوب العالم في الغرب ممّن أحسّوا بخطر كياني فاستعادوا الغريزة الإنسانية الأولى، غريزة البقاء، واضعين قيمهم على المحكّ أمام السؤال عن مصيرهم..

تبلورت النزعة القومية في أكثر من مكان، ليست وحدها الهجرة المهولة بأرقامها هي السبب، بل هي جزء من كلّ.. في أوروبا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر ما يُعرف بالـ”بريكست” مع ما تبع ذلك من نزعات مماثلة في القارة العجوز.. في فرنسا ارتفعت نسب التأييد لمارين لوبان التي تأهّل حزبها للمرّة الثانية منذ تأسيسه في العام 1972 الى الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية.. خسرت أمام إيمانويل ماكرون ولكنّها حصدت نسبة أربعين بالمئة من الأصوات ما يعني في السياسة والاقتصاد والقومية الكثير الكثير لناحية تبدّل الهوى الفرنسي..

ما جرى يؤكّد نظرية صراع الحضارات لصاموئيل هنتنغتون، لهذا الصراع أوجه عدّة نظرا الى انّ القسم الأكبر من الستين مليون مهاجر هم من دول العالم الثالث.. هم الهاربين من مناطق النزاع في سوريا، العراق، اليمن وغيرها من البلدان المأزومة في السياسة والاقتصاد وقبلهما في الثقافة والتعليم.. هم شريحة اجتماعية مستضعفة مؤطّرة يتناهى الى مسامعها حديث عن قيم مجتمعية، عن انفتاح، عن عالم أفضل لا تعرف عنه شيئا، ليغدو عدوّا فور الاحتكاك به..

لا يمكن لعقل أن يتصوّر أنّ تماهيا سلسا سينتج عن هذه الموجة البشرية التي انتقلت من مكان الى آخر جديد، مختلف، مستنير.. المنطق والغريزة والعقل يحتّمان أن يحصل ما حصل.. لا ريب ولا استغراب فنحن لسنا في مدينة الفرابي الفاضلة أو في جمهورية أفلاطون، نحن منقسمون بين عالم ثالث او أدنى استمرّ كذلك بفعل الجمود في العقل والدين والثقافة  فاستغلّته السياسة والمصالح التي لم تأت يوما إلا على حساب شعبه، وبين عالم يعلم أنّه الأفضل بفعل التطوّر في الفكر والدين والثقافة ما أنتج مجتمعات تحترم الحيوان قبل الإنسان..

نحن، لبنانيّي هذا الشرق المُعذّب، نتطلّع الى هذا الإنقسام دامعين بإبتسامة.. ندرك المفارقة: نحن مسؤولون.. نرى العالم يعيش صراع حضارات تصادمت فجأة وها هي تعيش حربا عالميّة من نوع آخر..

نحن مسؤولون لأننا في هذا الشرق أصحاب تجربة التنوّع.. نحن أمّها وأبوها.. في منطقة هي مهد الحضارات والرسالات السماوية، نعيش سويّة منذ الأزل وهذا الرابط لن يفكّه إرهاب سياسي مغلّف بالدين.. نحن نكتمل سويّا ومن "دوننا معا” لا رونق للشرق الذي يكاد يفقد كلّ مقوّماته، فلنتدارك كي لا يفقدها كلّها..

إنّها مهمّتنا فلنبادر….