بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الثاني 2019 12:23ص حصون السلطة تهتز... وسياسة العناد لا تنفع!

حجم الخط
حصون السلطة الفاسدة بدأت تهتز بقوة تحت ضغط ارتدادات زلزال ثورة ١٧ تشرين الأول.

ما جرى أمس في نقابة المحامين من هزيمة نكراء لتحالف أحزاب السلطة، وفوز مرشح الحراك الثوري ملحم خلف بفارق كبير يعادل ثلث الأصوات الناخبة تقريباً، هو أول ترجمة عملية لشعار «كلن يعني كلن»، الذي وضع الأطراف السياسية كلها في سلة واحدة، وهو في الوقت نفسه بداية مرحلة التغيير التي خرج من أجلها اللبنانيون إلى الساحات والشوارع، متجاوزين كل الحواجز الطائفية والمناطقية التي زرعها السياسيون وأحزابهم المختلفة، ليبنوا زعاماتهم على التناقضات المفتعلة بين أبناء الوطن الواحد.

 وجاءت ضربة نقابة المحامين لأهل السلطة بعد ساعات قليلة من إعلان فشل مرشح المتسلط على السلطة والقواعد الدستورية لرئاسة الحكومة العتيدة، مع كل ما يُفترض أن يعني ذلك من صدمة موجعة، لأصحاب سياسة العناد والإنكار، المستمرة منذ اليوم الأول لإندلاع الإنتفاضة، وضرورة إجراء مراجعة سريعة وعاقلة لأسلوب التعاطي مع أكبر ثورة شعبية شاملة عرفها لبنان في تاريخه الإستقلالي، ومع أخطر أزمة إقتصادية ومالية ونقدية دفعت البلاد والعباد إلى مهاوي الإفلاس.

 لم يعد من المهم تحديد مواعيد الإستشارات النيابية الملزمة، ولا تسمية الرئيس المكلف، طالما إستمرت سياسة المكابرة في تجاهل مطالب الأجيال الشابة التي أشعلت جذوة الثورة، في تشكيل حكومة إختصاصيين من غير السياسيين، ووضع خطة إنقاذية سريعة لإيقاف هذا الإنحدار المخيف في الوضع المالي والنقدي، وصولاً إلى إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة.

 وجاء ترشيح نائب طرابلس السابق محمد الصفدي، وهو من المنظومة السياسية العاجزة، ومن أصحاب الشبهات في الملفات الفاسدة، ليُدلل بأن أهل القرار ما زالوا يقرأون في كتاب ما قبل ١٧ تشرين، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن لا ثورة في البلد، ولا أزمة يشتد حبلها على أعناق البلد وناسه الغلابى، وكأنهم لم يسمعوا، أو لم يدركوا، المخاطر المترتبة على إستمرار تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان، ولمؤسساته المصرفية الكبرى.

ولعل المشكلة الأكبر أن فريق رئيس الجمهورية، وفي مقدمتهم الوزير جبران باسيل طبعاً، ما زالوا يتعاطون في إدارة هذه الأزمة الخانقة بمقاييس محلية تقليدية وبالية، لا سيما بالنسبة لتركيبة الحكومة العتيدة، دون الأخذ بعين الإعتبار أن المهمة الأولى والأساسية ستكون إستعادة الثقة الداخلية والخارجية، كخطوة لا بد منها لفتح أبواب المساعدات الخارجية، وفي مقدمتها تنفيذ قرارات مؤتمر سيدر، فضلاً عن تشجيع اللبنانيين العاملين في الخارج على إعادة تحويلاتهم المالية إلى لبنان، والتي كانت تُقدر بحوالي سبعة مليارات دولار سنوياً. 

حان الوقت ليدرك أهل الحل والربط بأن تشكيل أية حكومة لا تراعي المعايير الخارجية في الحوكمة والأيدي النظيفة ومحاربة الفساد، بغض النظر عمن يكون رئيسها، حتى ولو كان الرئيس سعد الحريري نفسه، لن تلقى الدعم اللازم والضروري لخروج لبنان من أزمته المالية المتفاقمة يوماً بعد يوم، بسبب تأخر المعالجات الجدية والناجعة، وفي مقدمتها إنجاز تأليف حكومة الثقة والإنقاذ.

 ليس دقيقاً الكلام بأن إقتصار الحكومة الجديدة على الإختصاصيين، وإستبعاد الشخصيات السياسية منها، يعني إلغاء لنتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، لأنه من المفترض أن تتولى الأطراف السياسية المعنية المشاركة في ترشيح الوجوه الجديدة من أهل الإختصاص والسمعة الحسنة، ليتسنى للرئيس المكلف الاختيار من لوائح المرشحين حسب الإختصاصات المناسبة لمهمات الحكومة الإنقاذية.

 ولا بد من التذكير أن حكومة الإختصاصيين تحتاج إلى تغطية سياسية لمهماتها الإستثنائية، تبدأ بضرورة حصولها على الثقة من مجلس النواب حسب النصوص الدستورية، وتستمر في أهمية التفاعل السريع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لإقرار مجموعة القوانين الإصلاحية التي سيقرها مجلس الوزراء في إطار الخطة الإنقاذية المتوقعة، ولن تستطيع الحكومة التفرّد في تنفيذ قراراتها دون الحصول على موافقة الأكثرية في المجلس النيابي.

فماذا يُضير تيار المستقبل، أو حزب الله، أو حركة أمل، أو حتى التيار الوطني الحر، أن يتمثلوا بأهل الإختصاص والكفاءة والأيدي النظيفة، طالما أن الأمر سيعود في النهاية للتصويت في مجلس النواب؟

 التاريخ لن يرحم أحداً، والوقت يُداهم الجميع، وتبقى الحلول السياسية والعاقلة، وهي ما زالت متاحة، أقل كلفة على البلد، وعلى القوى السياسية كافة، من سياسات العناد والإستكبار، وما قد تجره من ويلات الإنزلاق إلى العنف، والتورط في متاهات فتن وحروب، لم ينسَ اللبنانيون مآسيها وآلامها بعد!