بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيلول 2017 01:19ص من يقتل الشهداء .. ومن يأكل الشهداء

حجم الخط
 
إحدى ليالي الحرب الأهلية الطويلة في لبنان كنت في زيارة أحد القيادات النافذة في ذلك الزمن الرديء، وكان الغرض من الزيارة لعب الورق وتناول العشاء، وفي ساعة متأخرة من ذلك الليل دخل علينا أحد المساعدين من اتباعه، وراح القيادي يصرخ موبخا مساعده لأنه لم يقدم خلال الأشهر الماضية عددا وافرا من الشهداء، لان مجموعتهم السياسية لا تستطيع ان تستمر بدون المزيد من الدماء وأن الآخرين من الخصوم قد تقدموا عليهم كثيرا في هذا المجال. لم أتعمق او أفاجأ مما سمعته في ذلك المساء لأنني كنت قبل ايام قد شاهدت خلال زيارتي لأحد النوادي الليلية في منطقة الرملة البيضاء عدد من قادة المحاور المتقاتلين على خطوط التماس يقضون معا بسعادة وانسجام ليلة حمراء، فيما كانت دماء الأبرياء الشهداء الحمراء تسيل على ضفتي خطوط التماس في تلك الأثناء.
الشهداء هم بشر متفانون حتى الفناء في إيمانهم والتزامهم بقضايا وطنية وإنسانية ترفع الظلم عن الإنسان، او في ابتكارات و علوم وانجازات تؤكد على تفوق ورفعة الانسان، هناك شهيد يقتل برصاص ومتفجرات القادرين، واخر يقتل بكراهية واحقاد العاجزين، بعض الشهداء احياء رغم الممات، وبعض الشهداء موتى في الحياة، انها قصة طويلة مع الحقد والجريمة، منذ ان كان الانسان، يوم لم يكن في الوجود سوى شقيقان.
منذ عقود وهناك في لبنان من احترف قتل قوافل الشهداء ومن احترف ايضا أكل كل الشهداء، ولا فرق بين من يقتل الشهداء ومن يأكل الشهداء لأنهما مدمنان على العدم والغدر وعبادة الذات، ولا تتسع الدنيا لاحد سواهما، يتخلص قاتل الشهداء من الآخر بالاغتيال، اما آكل الشهداء فأنه يعدمهم بالنسيان، وهكذا تصبح الطريق سالكة امامهما للتسلط والتحكم بالعباد. ان مغانم من يقتل ومن يأكل الشهداء كثيرة من المواقع والامتيازات ووووو.. ومن يقتل ومن يأكل شريكان يعبث الاول بمسرح الجريمة والثاني يعبث بوجدان الجريمة، ويصنعان الآلام والاحزان والقهر والضياع لملايين الناس من هذا الفريق وذاك الفريق على حد سواء، ان من يقتل الشهداء يكره الحياة وهو سفاح مغتصب، ومن يأكل الشهداء يكره الحياة ايضا، لكنه جبان مختلس، وكل منهما لا يعرف الحب ولا الندم، ولا يشعر بالالم وليس من البشر.
منذ تشييع الشهداء الأبطال ضحايا الاٍرهاب قبل أيام، يعيش لبنان حالة استدعاءات واستقطابات متنوعة تذكر بالذي مضى مع الشهداء على مدى سنوات، وقد بدأت بحرب احتفالات الانتصار على الارهاب ثم باتهامات باطلة استهدفت دولة رئيس الحكومة السابق الاستاذ تمام سلام، الشخصية الوطنية الرفيعة، الى تحذيرات السفارات الأجنبية لرعاياها من الارهاب في لبنان، ثم تحذيرات اجهزة الامن الغربية الى معالي وزير العدل السابق اللواء اشرف ريفي، وعودة التهديدات الاسرائيلية واختراق طيران العدو جدار الذاكرة الحربية فوق صيدا عاصمة الجنوب، بالإضافة الى ذلك الكم الهائل من التحريضات عبر الكتابات والتحركات والتجمعات والتغريدات واثارة النعرات والكراهية والاحقاد الطائفية والمذهبية البغيضة.
 انه موسم الحصاد بالنسبة لفئة عدمية عريضة من كل الافرقاء في لبنان، والتي زرعت طوال السنوات الماضية كل أسباب الفرقة والخصام، وشجعت كل الافرقاء على التسيّب والاستقواء، لأنها اعتادت العيش من قتل الشهداء وأكل الشهداء في لبنان.