بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيار 2019 01:29ص هل تتجاوز الحكومة حقول الألغام..؟

حجم الخط
وصول منسوب التوتر في المنطقة إلى شفير «الانفجار الكبير»، لم يحرّك أهل السلطة في لبنان، الغارقين في صراعاتهم المصلحية وحساباتهم الأنانية، والعاجزين عن التوصل إلى موازنة تستعيد بعض التوازن في المالية العامة المنهوبة.

حشود حاملات الطائرات والبواخر الحربية في بحار المنطقة، واستنفار الجيوش والميليشيات في أكثر من بلد، وإطلاق حملات الاستفزاز والتحدّي بين أميركا وإيران، على إيقاع طبول الحرب، النفسية على الأقل، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، في حال مشاركة «حزب الله» في المعركة، في حال وقوعها، كل ذلك بمثابة «برداً وسلاماً» بالنسبة للمسؤولين اللبنانيين الذين لم يروا مبرراً للإسراع في إنهاء حالة التوتر الراهنة حول الموازنة، والبحث في الإجراءات الواجب اتخاذها في حال اشتعلت الحرب الطاحنة في المنطقة، والتي من المنتظر أن يصل لهيبها الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية.

وعندما حذّر «لقاء الجمهورية» في جلسته الأخيرة برئاسة الرئيس ميشال سليمان من المخاطر المحدقة بالبلد والمنطقة، ودعا الجامعة العربية إلى عقد اجتماع طارئ، تضامناً مع المملكة العربية السعودية بعد الاعتداء على خطوط نقل النفط، لم يجد أحدهم، من مُدّعي الخبرة السياسية والديبلوماسية، حرجاً من اعتبار أن هذه الدعوة جاءت خارج سياق تطورات الأحداث المتلاحقة، وبالتالي لا مبرر لها!

وجاءت دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لعقد قمتين طارئتين، خليجية وعربية، للبحث في التهديدات الإيرانية للأمن العربي، لتؤكد مستوى الخطورة الذي وصلت إليه الأوضاع في ظل التصعيد المستمر للصراع الدولي الإقليمي في الخليج العربي.

 ولا نُغالي إذا قلنا أن الدولة اللبنانية تبدو وكأنها في حالة استسلام للوقائع المستجدة، على طريقة مَن لا حول له ولا قوة، من دون القيام بأي جهد جدّي لتحييد لبنان عن تداعيات الحرب في حال حصولها، والحفاظ على الستاتيكو الحالي في الجنوب اللبناني، والحؤول دون دخول حزب الله طرفاً في هذه الحرب، حماية لقرى الجنوب وأهلها، وتجنباً لتعريض البلد لمخاطر مواجهة غير قادر على الاستعداد لها، ولا طاقة له على تحمل نتائجها.

 هذا العجز المتمادي للسلطة الحالية تجلى في أكثر من ملف خارجي وداخلي، كان آخرها المناقشات المرتبكة لمشروع الموازنة، التي ما زالت تدور في طواحين المزايدات الشعبوية، وتنتصب أمامها المتاريس الحزبية على طاولة مجلس الوزراء، وتتكرّر في جلساتها اشتباكات ديوك السلطة والمال، وما يتخللها من معارك كر وفر، تنتهي بتأجيل البت والإقرار، على مدى الأسابيع الصعبة الأخيرة.

ومما يزيد الأمور تعقيداً في الوضع الداخلي، هو غياب الرؤية الواضحة أمام أهل القرار، وافتقادهم لمشروع واحد للإصلاح، يقفل الباب أمام الاجتهادات المتناقضة، ويفرض على الجميع الالتزام بما يتم إقراره في المؤسسات الدستورية، من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، ويقطع الطريق على المزايدين والمتلاعبين بنيران الإشاعات المغرضة لإثارة البلبلة في أوساط الموظفين، من عسكريين ومدنيين، ومن المعلمين إلى أساتذة الجامعة.

كان من المفترض أن تأخذ تفاهمات الاجتماع الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا، في ذلك الأحد المقلق، طريقها إلى حيز التنفيذ، عبر آلية تترجمها إلى خطوات عملية، ومشاريع قرارات وقوانين، وتُنهي هذا الجدل البيزنطي حول الموازنة، ولكن مفعول هذه التفاهمات سرعان ما تبدّد، على طريقة كلام الليل يمحوه النهار!

لا يستطيع اللبناني أن يطمئن على لقمة عيشه وأمنه الاجتماعي، عبر الكلام الذي يتردد من هنا وهناك بأن لا خوف على استقرار سعر الليرة، وأن الوضع المالي ممسوك من أشقاء وأصدقاء يمنعون سقوطه في المحظور، إذا لم تقترن هذه التطمينات بخطوات عملية من جانب الدولة لتحقيق الحد المطلوب من الإصلاحات المالية والإدارية، بشكل مدروس ومتوازن، يراعي أصحاب الدخل المحدود، وما تبقى من طبقة وسطى، ويسترد حقوق الدولة من ناهبي أموالها ومرافقها العامة.

فهل الحكومة قادرة على تجاوز حقول الألغام الخارجية والداخلية، وما أكثرها، والوصول بالأمن والاستقرار، والإصلاحات والموازنة إلى بر الأمان؟