بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آب 2018 12:11ص حكاية أرمني عاشق لبيروت..!

حجم الخط
كان مديراً متألقاً لأحد البنوك الوطنية في منطقة الحمراء طوال سنوات الحرب البغيضة، وبقي مصراً على الإقامة في منزله في شارع كليمنصو، رغم كل ما تعرّض له من ضغوطات وتهديدات من شبيحة الميليشيات.
كان يتحدّر من عائلة أرمنية معروفة جاءت إلى لبنان بُعيد الحرب العالمية الأولى، ولكنه يعتبر نفسه لبنانياً، أكثر من اللبنانيين، المسلمين والمسيحيين، الذين كانوا يتقاتلون لحساب الغير، ولا يتورّعون عن تدمير بلدهم، وكأنهم يتخلصون من لعبة زهقوا من اللعب بها!
بقي يُسهّل أمور الزبائن الذين يسكنون في معظمهم أحياء بيروت الغربية، حسب مصطلح تلك الأيام المقيتة، ويحضر إلى مكتبه غير عابئ بالقصف العشوائي ولا بالتفجيرات الغادرة، التي كانت تحصد الأبرياء بالمئات!
ومع انهيار الليرة اللبنانية، كان يحاول أن يحفظ ما أمكن من قيمة أموال البنك مع الدائنين بالليرة اللبنانية، فنجح حيث أخفق غيره الذي تأخر في قراءة مسار الوضع النقدي في البلد.
بعد خروجه من الوظيفة وبلوغه سن التقاعد، لم تشفع له أعماله الطيّبة، وسمعته الحسنة مع بقايا الميليشيات الذين استمروا في ملاحقته بتهديداتهم وغوغائيتهم، فقرر عندها الانتقال إلى كندا لتمضية سنوات تقاعده في مدينة مونتريال، وهكذا غادر المدينة، التي عشقها، وأحب أهلها، إلى المهجر رغماً عنه، لأن الدولة كانت في غيبوبة، والزعران يسيطرون على الشارع، ويهددون الأوادم.
لم أصدق، للوهلة الأولى، عندما علمت أن صديقنا القديم، موجود في مونتريال، ويتمتع بصحة جيدة وقد تجاوز التسعين من عمره. وعندما التقينا بعد أكثر من خمس وعشرين سنة من الافتراق، شعرت بأنني أمام مواطن لبناني غادر بالأمس موطنه، لأن صاحبنا لم يعبأ بأثقال السنين، وبقي محافظاً على علاقته بمعشوقته بيروت، حيث يحرص على أن يقوم بزيارتين، على الأقل في السنة، إلى المدينة التي أمضى فيها أحلى أيامه، ويلتقي خلالها بالأهل والأصحاب، ويعيش الأجواء الحميمة التي يفتقدها في كندا!
تُرى كم ألف لبناني يتمنون العودة الى الوطن، لو كانت الأحوال أكثر استقراراً، وتوحي بالثقة بالأمن والغد والمستقبل؟