بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2019 12:08ص خليل «اللواء»

حجم الخط
بعض الأشخاص يفتعلون الضجيج، ويتصنّعون المظاهر الكاذبة، ويُكثرون من الثرثرة عن أعمالهم، سعياً للفت أنظار مَن حولهم، والتظاهر بما هُم ليسوا به.
وثمّة شخصيات إنسانية لا تغرّها المظاهر الواهية، ولا تشدّها الادعاءات الفارغة، وتعمل بجد وهدوء لإنجاز ما يعجز أصحاب الثرثرات عن إنجازه.
خليل برهومي كان من الصنف الثاني بامتياز. أمضى أكثر من خمس وثلاثين سنة في «اللواء» مدققاً لغوياً، ومرجعاً دينياً، وموسوعة أدبية، يعمل بمهنية عالية، وبأخلاقية رفيعة، وبلباقة إنسانية عز وجودها، بين فرسان العمل الليلي المتسابق دائماً مع الساعة، على إيقاعات متفاوتة من التوتر والتشنج وحرق الأعصاب، والذي ينتهي عادة بشدّ حبال بين أفراد الفريق الواحد.
وحده خليل برهومي كان يحافظ على هدوئه ورباطة جأشه، ويستوعب بكلماته الرقيقة فورة الشباب، ويُعيدهم إلى لغة التعاون، وإلى صراط العمل المهني، كل حسب موقعه ومسؤوليته، وإنهاء زوبعة التوتر بفنجان قهوة، يُهدّئ الأعصاب المشتعلة.
طوال تلك السنوات الطوال حافظ على سلوكية نقيّة ومنفتحة على مساعدة الآخر، من دون جميل أو منيّة لأحد، ومن دون أن يسعى إلى سياسة «التبييض» مع المسؤول لإعلامه بما فعل. ولم يحصل أن تقدّم يوماً بشكوى ضد زميل، وكان يرفض دائماً الدخول بسجالات وشجارات، التي تحصل عادة بين رفاق العمل، ويصر على الابتعاد عن كل ما يشغله عن عمله.
لا حروب الشوارع، ولا القصف العشوائي، ولا الاعتداءات الإسرائيلية، التي بلغت ذروتها عام ١٩٨٢ في الدخول لبيروت، ولا ما تلاها من ظلم ذوي القربى، منعه من الوصول إلى عمله، وفي أحيان كثيرة البقاء في المكاتب حتى بزوغ الفجر. وفي الأيام العادية لم يكن يتقيّد بالدوام، فهو موجود في الليل والنهار، لمتابعة تفاصيل العمل بمناقبية وإخلاص نادرين، حتى استحق فعلاً لقب «خليل اللواء»، تجسيداً للثقة والمحبّة المتبادلة بينه وبين المؤسسة!
إلى جنات الخلد أيها الخليل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.