بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 آب 2019 12:01ص الدُعاة في يوم إكتمال الدين وإتمام النِعمة: عَرَفة يوم دعاء وذِكْر وطاعة... للعودة الصحيحة إلى شرع الله تعالى

يوم عرفة يوم عرفة
حجم الخط
إذا ذُكر يوم عرفات، فقد ذكر أفضل الأيام وأبركها، فليس ثمّة يوم طلعت فيه الشمس أو غربت، هو خير من يوم عرفة، فقد ورد أن صيامه لغير الحاج يكفّر ذنوب سنتين، وقد ورد أنه ما شوهد إبليس في يوم هو أصغر ولا أحقر، ولا أغيظ من عشية يوم عرفات.
وليوم عرفة فضائل يهرول إليها المؤمنون والمتقون، فهو يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، بالإكثار فيه من فعل الخيرات ودروب الطاعات، واجتناب الإثم والفواحش، والضلالات والمنكرات. غفر الله له كافة ذنوبه.
ويوم عرفة هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية؟ قال: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا»، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»، وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: «نزلت، أي آية (اليوم أكملت)، في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد».


الكردي
{ بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: أجمع العلماء على أن صيام يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام جميعها بعد صيام رمضان؛ لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (... صيامُ يومِ عرفةَ، أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعده).
فصيام يوم عرفة رفعة في درجات العباد عند الله سبحانه وتعالى، وبابٌ لتكثير حسناتهم، وتكفير سيّئاتهم، وقد ثبت في الحديث السابق أنّ صيامه يُكفِّر ذنوب سنة قبله وذنوب سنةٍ بعده، ويُقصد بذلك تكفير الصغائر من الأعمال السيئة دون الكبائر من الذنوب، وذلك التكفير مشروطٌ بترك الكبائر، قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}.
أما صوم يوم عرفة للحاج فلا ينبغي للحاج في يوم عرفة الصيام، بل عليه أن يتفرّغ لعبادة الله بسائر الأعمال غير الصيام كالدعاء والذكر وقراءة القرآن، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ عرَفَةَ بعرَفَةَ)، وعن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (أنهُم شَكُّوا في صَوْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عَرَفَة، فبُعِثَ إليهِ بقَدحٍ مِن لَبنٍ فَشَرِبَهُ)، فحتى يتيقّن الناس من صيام النبي أو إفطاره أثناء وقوفه بعرفة بعثوا له قدحاً من اللبن فشربه؛ مما يشير إلى أنّ الأولى للحاج عدم الانشغال بصيام يوم عرفة عن باقي العبادات حتى يبقى جسده قوياً على الطاعة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك فقالوا أنّ صيام يوم عرفة محرّمٌ على الحاج؛ بناءً على النهي الوارد في الحديث الأول إذ يدلُّ ذلك على التحريم، وكَرِهَ آخرون صيام يوم عرفة للحاج، وقد استحبَّ أبو حنيفة ومالك والشافعي وسفيان الثوري وجمهورٌ من الصحابة للحاج الإفطار في يوم عرفة.
وحض الشرع المطهر علي الإكثار من أعمال الخير يوم عرفة من الأذكار والأدعية وتلاوة القرآن الكريم والاستغفار والتفرّغ والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه - أي الأيام العشر - قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» - أخرجه البخاري - وكذلك من أبرز وأهم وأشهر القربات صوم يوم عرفة لغير الحاج.
وأجاز بعض أئمة العلم «التعريف»: اجتماع الناس في البلاد بعد عصر يوم عرفة والأخذ في الأدعية والأذكار إلي غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة، وقال به أحمد وبعض الشافعية، ونسب إلي بعض السلف الصالح - رضي الله عنهم - فعله ابن عباس وعمرو بعد حديث من الصحابة، وكذلك يستحب التوسعة علي ذوي الحاجات والمساكين والفقراء وشتى أعمال الخير وصدق الله العظيم إذ قال {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}..
شحادة
{ أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة فقد قال: من فضائل يوم عرفة أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟».
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً».
أما من أحوال السلف بعرفة أن منهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء، فقد وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء، فقال عبدالله بن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إليّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.