بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 آذار 2019 09:21ص في "عيد الام" أيها الأبناء ماذا قدمتم لأمهاتكم؟

حجم الخط
أنتَ سيدي! أنتِ سيدتي! نعم أنت وأنتِ وأنتم جميعاً الذين تقرأون هذا المقال.. هل تخصصّون يوماً في السنة لتتذكروا ماذا فعلتم لأمكم مقابل سنوات طويلة من عذاباتها وتضحياتها لكي تولدوا وتكبروا وتتعلموا وتكوّنوا ذواتكم؟
هل تعلمون أنّ لبنان هو من الدول النادرة في العالم اليوم حيث لا يوجد برامج اجتماعية للأمومة والطفل والمرأة والعجزة؟ وإن وجد القليل فهو لا يرد جوعاً ولا يسد ابسط حاجات العيش بكرامة.
هل تعلمون كم من الإهانات تتعرّض لها الأم جراء اختفاء تقديمات الدولة حيث تصبح ضحية أولاد جاحدين لدورها العظيم في حياتهم فيعيشون في نعيم ويتركونها في فقر وذل؟
كل تقارير الأمم المتحدة وخبراء الاقتصاد والصحة وعلم الاجتماع يؤكدون أنّ وضع المرأة في لبنان هو مزري وخاصة إذا كانت أم ولديها أطفال ترعاهم. وأنّ الأسوأ في لبنان أن تكون فقيراً وأن تكون إمرأة أو طفلاً. نصف الشعب اللبناني يعاني من بعض مظاهر الإفقار إن لم يكن فقيراً فعلاً.
تتراقص الفرحة فى عينى كل أم حينما تعرف أن فى أحشائها جنينًا.. وتكبر الفرحة مع أول ابتسامة وأول صرخة لفلذة الكبد.. تتفانى الأم وتبذل عمرها وراحتها لأجله أو لأجلها، وتمر السنون ليحين وقت حصاد الغرس.. ترى ماذا تحصد أمهاتنا؟.. وماذا يجنى آباؤنا من سعى العمر الطويل ومعاناة السنين؟
لا يكفي نصف ساعة أو ساعة تمرّون على أمكم وتراضونها بهدية متواضعة، وتهملونها باقي أيام السنة. قلوب الامهات ترقص من الألم من أبناء يختفون شهوراً في الاهمال والهروب من المسؤولية، ليظهروا بمظهر الأتقياء جاءوا اكراما لامهاتهم لنصف ساعة.
 
 
تعالوا نحصي معاً ماذا قدّمت الأم ثم نسأل أنفسنا ماذا فعلنا نحن لها:
أولاً، يتفّق الأطباء أن أعظم ألم في الأرض وعبر التاريخ هو ألم الولادة... نعم ولادتكم أنتم والمتألم هو أمكّم.. حيث تخرجون من مكان ضيّق وتسعدون بالحياة فيما ألأم تتعذّب وينشق ظهرها ونخاعها الشوكي وبعض الأمهات يمتن في الولادة.
ثانياً، تسهر الأم كل ليلة على طفلها الوليد وتبقى 24 ساعة في حمايته وتغذيته ورعايته، وهي ترضعه وهو يكبر فيما يمتص الكلسيوم من جسدها وتضعف أسنانها. أمّا إذا كان الطفل الرضيع مريضاً فهي كاللبوة الجريحة تجنّد كل طاقتها لرعايته على حساب صحتها.
ثالثاً، هي تتابع مهمتها الشاقة في دخوله المدرسة وتحضيره كل يوم من لباس وفطور ومرافقة وواجبات مدرسية وحضور اجتماعات وتشجعه على الأخلاق الحميدة والرياضة وعمل الخير.
رابعاً، في سن المراهقة هي الأم صديقة لبناتها وأبناءها تعاضدهم وتفهمهم وتبكي لبكائهم وتفرح لفرحهم حتى يتخرجّون فتكون أكثر مَن يحتفل بهم.
خامساً، تتزوجون فتكون الأم عوناً لكم تسهر عليكم وعلى أولادكم الذين تتركونهم عندها كل يوم لكي تذهبوا للعمل أو للسفر... لما لا وهي الآن جدّة تعاملونها كخادمة لكم وتحضرون وتذهبون فوراً إلى المطبخ: شو في أكل اليوم؟ وكأنّه ليس واجبكم أن تدعونها إلى بيوتكم وتخرجونها إلى المطعم لقاء ما توفّر لكم من مصاريف حضانة ونفقات عديدة. الأم يا جماعة هي ليست قيمة مضافة لكل فرد منكم بل وفي ظل أوضاع لبنان هي قيمة مضاعفة.
آه يا امي.. يا من تعبتي وضحيتي، واعطيتي، واستنفذتي كل عرق من عروقك في سبيل راحتنا. اخجل في مثل هذا اليوم من السنة، احاول ان اختبىء وراء ظلي كي لا اشارك بكذبة اختروعها ليرضوك ساعات ويسيئون إليك كل السنة.
اخجل عندما يتكلمون عنك في مثل هذا اليوم وكأنك مخلوقة عليها أن تضحّي من دون حساب وكأنك لست من البشر لا تريدين المساعدة والهدية والراحة والنزهة والخروج من البيت. يتعاملون معك كنوع من التسلية لقتل الوقت قبل ركوبهم سياراتهم الفارهة وذهابهم إلى المطاعم الفاخرة وعودتهم إلى بيوتهم الفخمة. ولا يدرون أنّهم بقتلهم للوقت إنّما يقتلون انفاسك.
أخجل عندما اشاهد تلك الحشود في الشوارع والمحلات يقصدونها بحجة عيد الام لاقتناء هدية ببضعة قروش كي يخدعوا بها قلبك الطاهر النقي المعطاء.
أنتَ وأنتِ.. الذين تتلونون بألوان فاقعة تُبهر الناظر اليها، ظاهرها اللطافة وباطنها الخبث والتحايل على روح نقية سخرها الله للعطاء والمحبة والتضيحة.
 
"الام" تلك الملاك ذو اجنحة مخفية التي تستاهل ان تكون متربعة على عرش وجدان كل بشري. استيقظوا من ثباتكم يا ابناء هؤلاء الامهات تداركوا الامر قبل فوات الاوان. قال الله عز وجل: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}