بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

29 أيار 2020 12:00ص لن يجادلني أحد!

حجم الخط
أن يجادلني أحدٌ، فهذا ما لن أُطيقَهُ بعد اليوم. والرأي الذي عن هذا الطريق يكدحُ نحوي، سوف لن ألاقيه. ليس تعنّتاً عند آخرٍ أو لفسادٍ في طبْعي عام، بل لأنّي ضِقتُ ذَرعاً بإلزاماتٍ استبْصرتُ بعد عثرةٍ طويلة أنّ أكثرها منحولٌ على العقل أيّما انتحال. فكل نفسٍ بما فيها إنّما تُحدِّثُ، وبما تُمليهِ عليها مصالحُها وأهواؤها.

 وما العقلُ الذي يدّعيه أصحابُه عند الوقوف على أمورٍ تغْمُضُ وشؤونٍ تتشابهُ، سوى النجوىَ، وقد راودَتْ الحقيقةَ عن نفسها، مغلّقةً عليها أبوابَ الجهل والشهوة إلى السلطان. الكلّ يريدك أن تأتي إلى رأيه صاغراً. أن تُغمِدَ شكوككَ إلى الأبد أو تنزع نصالَها. فالخيرُ في ما يقوله فلانٌ أو ما يفعله علاّن، وفي حيادك كلُّ الشرّ.

 النّسَب النّسَب يصرخُ بك الجميع؛ فإيّاك والمناكيرَ الذين لا يُعْمِلون سيوفَهم في الفِتَن أو يخوضون فيها بقلوبٍ يحسَبونها قويّةً وهي أوهنُ من الخيْطِ الأسود من الفجر؛ متقمّصيْنَ الحقيقةَ الحمراء. سيروعُك ما ينفثونه بأفواهٍ كأنّ بها حِمماً يقذفونك بها عند أوّل «لا» تتمسّكُ بحَبْلِها الغليظ عن شاهقٍ من الأقوال يرفعونها على حُمْقٍ أمام البلهاءِ من الناس، ويرمونك عنها كلّما ثقُلتْ موازينك فوق أعمدةٍ الدخان التي عليها معابدُهم. قد يأخذونَك بالحجج الشتّى أحياناً تلطّفاً بعقلك الفارّ من هوْلِ أفكارهم وما تستنتجُه منها أيديهم عن قُبْحٍ بيّنٍ وشناعةٍ بالغة في أمور العامّة، حتى إذا ما دخَلْتَ أوكارَهم عن حيْلةٍ منهم، أفرجوا عن ضغائنِهم، وصفعوا عقلكَ بالترّهات، وهجموا على قلبك بالأحقاد. وفي كلّ ذلك يزعمون رَشَداً وقُرباً من الحقّ. وأنّىَ لهم ذلك؟ إذ تراهم يلوون عن جادّته بألفِ طريق؛ فينْخدع بهم الغافلُ ويحارُ فيهم العاقلُ، ولا ينجو من أحابيلهم إلا منْ استبرأ قلبَه من الكِبْرِ، وعقلَه من الشّطط، ودينَه من الغلو. فلا تذَرْ وقتكَ في ريح هؤلاءِ وأمثالهم، ولتجري سفنُكَ على عينٍ من قلبك ليس فيها من قذى المقال ما يُخرجك عن بياض الفطرة.  




أخبار ذات صلة