بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

19 أيلول 2019 12:09ص «ما في أغلى من الضنا»

حجم الخط
يوم الأحد المنصرم شاءت الظروف المادية.. أنْ يلازم «صاحبنا» وأسرته البيت.. فرغم الإجازة إلا أنّه ما باليد حيلة.. «العين بصيرة واليد قصيرة».. خصوصاً أنّ الراتب كعادته الشهرية.. تأخّر عن موعده أكثر من الشهر الذي سبقه..

وبما أنّ ما يحتاجه البيت يُحرّم على الجامع.. وبما أنّ الحياة فيها أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها.. توجّه «صاحبنا» كالفرس إلى أقرب «سوبرماركت» أسعارها مقبولة.. لشراء قلّة قليلة من هذه الأساسيات.. مصطحباً معه كريمته التي لم تبلغ عامها الرابع بعد..

وفيما «صاحبنا» أمام أحد البرادات يقارن التواريخ والأسعار.. حتى ألقى نظرة على ابنته فلم يجدها.. ناداها بداية بصوت خافت فلم تُجِبْ.. رفع نبرة صوته قليلاً وميزان الهلع تتزايد نبضاته.. ولكن «لا حس ولا خبر».. فبما أعطاه الله من قوّة صاح مُنادياً إياها.. لكن «لا تندهي ما في حدا»..

ترك الأغراض وراح يركض يميناً ويساراً داخل الـ»سوبرماركت».. ومقياس رعبه سجّل أقصى درجات ريختر.. يسأل هذا ويوقف ذاك.. يعطي مواصفاتها لهذه ويستفسر من تلك.. لكن «محلّك قف»..

وما أنْ أوشكت الدمعات على الفرار من عيني «صاحبنا».. لأنّ أحداً لم يرها أو حتى يخبره ولو بإشارة عنها.. وبعدما انقلبت الـ»سوبرماركت» رأساً على عقب.. تمالك نفسه وقرّر التوجّه إلى أقرب مخفر ليتقدّم ببلاغ عن اختطاف طفلته.. لكن إلهاماً ربّانياً دعاه لإلقاء نظره خاطفة خلف أحد برادات المأكولات.. وإذ بها تجلس القرفصاء مختبئة.. فصاحت: «ياي عم أعملك مقلب.. ليه ثفتني.. إنت خثرت»..

عندها راح «صاحبنا» يتأتئ بما هو نفسه لم يفهمه.. ولم تتمالكه قدماه من الخوف.. فجلس أرضاً وسحبها إلى صدره.. غير آبهٍ للخجل من بكاء الرجال.. فأطلق العنان لعينيه لتجودان بما استطاعتا.. فيما راح الحضور يصفّقون وهذا يبارك وذاك ويحمد الله..

وفي ختام رحلة الرعب.. حتى الأساسيات تحوّلت في يوميات اللبناني إلى كابوس.. لأنّه «ما في أغلى من الضنا».. ولا حتى الروح!!

أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!