بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2019 12:02ص من جديد «المدن الأقطاب» لعبد الرؤوف سنّو على منبر المعهد الألماني للأبحاث الشرقية

حجم الخط
بدعوة من «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية»، انعقدت حول الكتاب الجديد للمؤرّخ الدكتور عبد الرؤوف سنّو: «المدن الأقطاب في لبنان: بيروت – طرابلس – زحلة – صيدا»، بمشاركة كلٍّ من السفير الدكتور خالد زيادة، أستاذ العلوم الاجتماعية، وأستاذ الليسانيات في الجامعة اللبنانية الدكتور نادر سراج، بحضور مديرة المعهد البروفسورة برغيت شيبلر وجمهور من الأكاديميين والمثقفين والمهتمّين. وأدار الندوة الدكتور هانس – بيتر ﭙوكل.
استهل الدكتور زيادة الكلام بالقول إنّ المؤرّخ عبد الرؤوف سنّو يقدّم لنا في كتابه «المدن الأقطاب: بيروت - طرابلس - زحلة - صيدا»، عملاً أكاديميا ننتظره منذ زمن بعيد. وتساءل زيادة عن سبب التأخّر في إعداد هذا العمل الضخم الذي يقدّم لنا المدن الأربع في كتاب واحد يجمع بين التاريخ والحاضر، وبين الماضي والحديث. وأضاف، إنّ المؤلِّف، على الرغم من أنه باحث مدقّق مشهود له بالأناة في اعتماد الوثائق والمصادر والمراجع، إلا أنه أراد في هذا العمل أنْ يقدم عملاً يستطيع أنْ يقرأه العالِم والقارئ غير المتخصّص، بل يمكن أنْ يقرأه الطلاب من المرحلة المتوسّطة فيتعرّفون إلى مدن لبنان الرئيسية.
واعتبر السفير زيادة أنّ المدهش في الكتاب، هو الجهد الذي بذله المؤلِّف، ليس في البحث على المادة المكتوبة فقط، بل في اللجوء إلى المادة المصوّرة؛ فعزّز كتابه بمئات الصور العائدة لشخصيات ومباني وأحداث تاريخية ومعالم وغلافات صحف ولوحات فنية ومشاهد من أعمال مسرحية وسينمائية. وختم الدكتور زيادة بالقول: كلّ ذلك جعل من الكتاب عملاً متكاملا غنيا، لا بدّ لكلِّ ابن من أبناء هذه المدن، بل لكلِّ اللبنانيين من الاطّلاع عليه، فهو يزيد معرفتنا، بما كنا نظنّ أننا نعرفه.
ومن ناحيته، قال الدكتور سراج إنّ المؤرّخ سنّو، كدأبه في معظم مؤلَّفاته، يمارس حِرفته الكتابية بدراية موصوفة، ليخبر القرَّاء بأسلوب سهل ومأنوس، أنّ لفحاتِ التغيير والتمدين أدركتنا وأدركت منطقتنا واستتباعا مدننا. أربعاً كانت أم أكثر بكثير. ونغتنم هذه المناسبة، لنطرح عالياً، الأسئلةَ المنطقية عينها: أيننا من مدننا؟ وأين مدننا منّا؟ هل لا زالت تشبهنا ونشبهها؟ وهل صلاتنا بها في الألفية الثالثة وهنت وبهتت، أم أنها تأصّلت وترسّخت رغم التشوّهات العمرانية والثقافية التي لحقت بها وبآهليها؟ الكاتب والكتاب افترضا وتساءلا ونقبا وجمعا وبحثا واستخلصا. وفي هذا الكتاب بالذات غلَّبَ الباحث الاجتماعي والاثنوجرافي على السياسي الخلافي، لكنه ما أسقطه من الحُسبان. وهو متمكنٌ وحجاجي في هذا الميدان، كما تشهد مؤلفاتُه.
واعتبر الدكتور نادر سراج أنّ كتاب سنّو حمَّالُ أوجه، غنيٌ بطروحاته ومضامينه، وخصبٌ بمنظومة شواهد الإثبات والتغيير التي اتكأ عليها. وشدّد على أنّ المؤلِّف ضليع وذو باعٍ في هذا المجال. والوسمُ الذي حمله جامعٌ مانعٌ، ولافتٌ وإشكالي في آنٍ. لذا، استدرَّ الكتاب تساؤلاتٍ بعضُها محقٌ، يصدر عن وجهة نظر معينة، ويستدعي إجاباتٍ من واضعه، وبعضها الآخر متسرِّعٌ ومتجنٍ، ويعكسُ رؤى ملتبسة وتشكيكية عند قراءٍ توقفوا حصراً عند «مناطقية» و»جهوية» العنوان، لا مضمون الكتاب ومنهجه وأدواته البحثية المعتمدة.
وأضاف سراج، إنّ الزميل والأستاذ الجامعي سنّو، المعروف بموضوعيته ورصانته العلمية وحسّه النقدي، نحّى جانبا انتماءه لبيروت، مسقط رأسه. وكما اعتاد في تدريسه ومحاضراته ومؤلفاته، فقد نأى بنفسه عن منازع الهوى المناطقي «الفاقع» الذي يعصف هذه الأيام بكثيرين؛ قراء كانوا أم حملةَ أقلام، أم مدرِّسين. فهو وجد أنّ المدن الأربع تختزنُ تراثاً عمرانياً وقيماً إنسانية، وتحمل سماتٍ تفاضلية تؤهّلها لتكون منفردة محورَ دراسة علمية موثقة، صحيح ثمة مدن غيرها بالطبع، لكن الباحثَ منا مضطرّ للانتقاء والاصطفاء، واختيار ما تتوافر المعطيات والشواهد وأنسجة الإثبات بخصوصه.
وأعقب مداخلة سراج، كلمة للمؤلِّف سنّو، الذي ذكر إنّ دراسة المدن الأربع، كأقطاب، في وحدةٍ متكاملة، لها ما يسوِّغُها، ذلك أنها الصفة التي يُطلقها عليها مجلس الإنماءِ والإعمار. وهي تشكّل وحدها مراكز رئيسية لغرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، وشبكة مترابطة من المصالح المشتركة. ولفت إلى أنّ التعاطي مع المدن الأربع لم يكن على أساس مكوناتِها الطائفية أو المذهبية: هذه سنيّة، وتلك شيعية، وثالثة مسيحية إلخ..، بل على أساس أنها تتألف من مجموعة من المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون معاً على أرض واحدة تحت مظلةِ كيان سياسي واحد، وفي إطار واحد من الثقافة والعادات والحقوق السياسية والمصير المشترك. صحيح أنّ مدناً لبنانية أخرى لها مميّزاتها وشخصياتها التاريخية، أضاف سنّو، إلا أنّنا فضّلنا أنْ يقتصرَ بحثنا على المدن الأربع.
واعتبر سنّو أنّ بيروت أدّت دورَ الحاضنة لثقافاتِ اللبنانيين، وإليها تسرّبَ الفكر والثقافة الغربيان، منذ القرن التاسع عشر. فأضحت مدينةَ العِلم والثقافة المتفرنجة لكَثرةِ الإرساليات والقنصليات والشركات والمؤسّسات والمدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية. وهذا ما أعطاها تلك «الخلطة» الثقافية الفريدة المنفتحة على أوروبا وعلى العالَم، وأنْ تصبح عاصمة كوزموبوليتية. ولهذا السبب، وجد الجميع نفسه فيها، لأية طائفةٍ انتمى أو جنسية، سواء أكان سياسيا أم رجل أعمال أم تاجرا أم كاتبا أم فنانا أم مثقفا أم شاعرا وأدبيا أم صحفيا أم موظفا وعاملا، أم نازحا من الأطراف، أو ساعيا إلى تعليم جيد لأبنائه، كما الطبابة والاستشفاء.
وخلص سنّو إلى أن الكتاب توصل إلى الاستنتاجات الآتية:
- تأثرْ لبنانْ على مرّ التاريخ بكلّ أنواع الحضارات التي تعاقبت عليه، ما أدى إلى انبثاق «ثقافة لبنانيّة» منفتحة.
- شكّلت المعالِم الأثريّة، في المدن الأقطاب الأربع شواهد حيّة على مكانتها في تاريخ الدول والإمبراطوريّات التي حكمتها على مرّ العصور.
- تـأثّرت النهضة العلميّة والثقافيّة والفنّية في المدن الأقطاب، بدرجة أو بأخرى، بالنهضةِ الأوروبية؛ فاقتبسَ اللبنانيون الذين تفاعلوا معها ما تعلموه منها واختبروه.
- حافظت مدينة بيروت على مركزيتها الخدماتية والثقافية، على الرغم ممّا مرّ عليها من ويلات حرب لبنان، بينما تمكّنت المدن الأقطاب الأخرى، رغم تأثرّها بتلك الحرب، من بناء شخصيتها الثقافية المحلية، واقتصاد يتناسب مع خصائصها الطبيعية والجغرافية.
- إنَّ «التعدّديةَ الثقافية» القائمة على الاعتراف المتبادل بـ «الآخر» والقبول به وبـخصوصيّته والعيش معه، غير متوافرة في لبنان، ماضيّاً ولا حاضرا.
- باستثناء توحّدهم ضدَّ فرنسا خلال معركة الاستقلال العام 1943، فقد حافظ اللبنانيّون على تطلّعهم نحو الخارج للاستقواء على بعضهم البعض.
- ينحو اللبنانيّون إلى التسوية بعد كلِّ أزمةٍ داخلية تعصف بهم: «الميثاق الوطني»، و«اتفاق الطائف»، و«اتفاق الدوحة»، وانتخاب الرئيس عون؛ لكنهم لم يتوصّلوا، ولو لمرّة واحدة، إلى وضع تسوية تؤدّي إلى إرساء سلم دائم في ما بينهم، وبناء دولة قويّة ذات سيادةـ 
وختم سنّو بكلمة شكر للدكتورين زيادة وسراج على مداخلتيهما المميّزتين، ولمؤسّسة شاعر الفيحاء سابا زريق بشخص رئيس مجلس إدارتها الدكتور سابا زريق على رعايتها ودعمها من أجل أنْ يرى كتاب «المدن الأقطاب» النور.

أخبار ذات صلة
... ليتأكّد أني عربية
15 كانون الثاني 2025 ... ليتأكّد أني عربية
على دروب المُقابسات
15 كانون الثاني 2025 على دروب المُقابسات
حديث اليدين
15 كانون الثاني 2025 حديث اليدين