بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

23 نيسان 2021 09:32ص «إحياء الدبلوماسية النووية مع إيران».. بقلم خافيير سولانا

حجم الخط

كانت الدبلوماسية دوما الطريقة الوحيدة المعقولة لمعالجة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. لكن عندما تمتطي السياسة الخارجية تيارات عاطفية وتستسلم لإغراءات التحايل ولفت الأنظار، يتراجع فن إدارة الدولة الحكيم الحاذق إلى الخلفية.

حدث هذا في الولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وحدث مرة أخرى أثناء رئاسة دونالد ترمب المتحذلقة. وربما يكون المثال الأفضل هنا ذلك القرار الأحادي المتهور الذي اتخذه ترمب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أُبـرِم مع إيران عام 2015.

جاء ذلك الاتفاق ــ المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة ــ بعد سنوات من المفاوضات الشاقة العسيرة، لينبذه ترمب في نوبة غضب كجزء من استراتيجيته المتغطرسة القصيرة النظر المتمثلة في فرض "القدر الأقصى من الضغوط" على إيران. ولكن بعد أن أصبح جو بايدن رئيسا الآن، تزود المحادثات التي بدأت هذا الشهر في فيينا القوى العالمية الرئيسية بفرصة دبلوماسية لإنقاذ الاتفاق.

ينبغي لنا أن نأمل أن ينجحوا، لأن استراتيجية "القدر الأقصى من الضغوط" التي فرضها ترمب أثبتت فشلها الذريع. فقد بدأ النظام الإيراني ينتهك بنودا بعينها في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد ما يقرب من العام بعد انسحاب الولايات المتحدة منها في عام 2018. منذ ذلك الحين ، زادت إيران تدريجيا من درج نقاء تخصيب اليورانيوم، فوسعت مخزونها من اليورانيوم المخصب 14 ضعفا، وعرقلت عمليات التفتيش الدولية على منشآتها النووية. ومؤخرا، تقلصت تقديرات الولايات المتحدة لموعد بلوغ إيران نقطة الاختراق من أكثر من عام إلى ثلاثة أو أربعة أشهر.

لم تتسبب استراتيجية ترمب الحمقاء في زيادة مخاطر الانتشار النووي وحسب، بل فشلت أيضا فشلا ذريعا في كبح جماح الأنشطة العسكرية الإقليمية التي تمارسها إيران. تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي وخاصة في العراق، وتفاقمت بسبب المناوشات المتزايدة التكرار (وإن كانت مرئية بالكاد) بين إيران وإسرائيل.

يتمثل سبب آخر للقلق من منظور الولايات المتحدة في نجاح النظام الإيراني في تخفيف العزلة الدولية المضروبة عليه من خلال تعزيز علاقته مع الصين ــ بما في ذلك من خلال اتفاقية ثنائية مدتها 25 عاما أبرمت مؤخرا وتستهدف إنشاء استثمارات صينية ثقيلة في الجمهورية الإسلامية في مقابل إمدادات رخيصة وثابتة من النفط والغاز الإيرانيين. ويشكل الأمن المعزز والتعاون الاستخباراتي جزءا من الحزمة.

كما أراد ترمب، تسببت العقوبات الأميركية في أحداث فوضى عارمة في الاقتصاد الإيراني. حتى أن إيران واجهت صعوبات جمة في استيراد لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) والإمدادات الطبية. مع ذلك، خرجت العناصر الرئيسية في النظام من المواجهة مع ترمب سالمة أو حتى اكتسبت المزيد من القوة.

الجدير بالذكر أن الحرس الثوري القوي ــ الذي اغتيل قائده السابق الجنرال قاسم سليماني العام الماضي بواسطة طائرة أميركية بدون طيار ــ استغل إفلاس الشركات الخاصة لتعزيز سيطرته على الاقتصاد. مع ارتفاع معدل الفقر في إيران إلى عنان السماء وانتشار كوفيد-19، نجح الحرس الثوري أيضا في تعزيز صورته كمقدم للخدمات الأساسية، الأمر الذي زاد من ضعف حكومة الرئيس حسن روحاني المعتدلة نسبيا.

مع تزايد جرأة الفصائل المتطرفة في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران، يبدو أن نافذة الفرصة المتاحة لمؤيدي الاتفاق النووي لإحياء الاتفاقية بدأت تنغلق بسرعة. تدرك كل من حكومة روحاني (التي تنتهي ولاياتها الثانية والأخيرة قريبا) والإدارة الأميركية الجديدة هذه الحقيقية تمام الإدراك، وهما على استعداد للتعجيل بإبرام الصفقة.

ما يبشر بالخير في هذا الصدد أن بايدن تحرك بسرعة لرفض أو إعادة ضبط العديد من سياسات ترمب في التعامل مع الشرق الأوسط. عمل بايدن على ضبط العلاقات الأميركية مع المملكة العربية السعودية، ففرض عقوبات على 76 فردا ووحدة النخبة المكلفة بحماية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ما يتصل بدورهم في قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي . على نحو مماثل، كان بايدن حريصا على تبرؤ الولايات المتحدة من الهجوم العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، كما أبطل تصنيف ترمب للمتمردين الحوثيين كجماعة إرهابية، من أجل تسهيل إيصال المواد الغذائية وغير ذلك من المساعدات الأساسية إلى بلد يعاني حاليا من الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.

كما أعادت الولايات المتحدة المساعدة الاقتصادية للفلسطينيين ، التي علقها ترمب بالكامل تقريبا. تُـظـهِـر هذه الإجراءات نهج بايدن الأكثر تمرسا وتميزا في التعامل مع المنطقة، والذي يشمل دعم الحلفاء دون منحهم تفويضا مطلقا ومعارضة الخصوم دون محاصرتهم بشكل هَـدَّام.

يتطلب تنفيذ هذا النهج ــ الذي جلب بالفعل إشارات مبكرة على ذوبان الجليد الدبلوماسي في المملكة العربية السعودية وإيران ــ الحذق والبراعة. ولكن لا توجد نقطة انطلاق أفضل من التصدي الناجح للتحديات الأكثر إلحاحا وحساسية في الشرق الأوسط، مثل الانتشار النووي.

تقدم المحادثات النووية الجارية في فيينا ــ التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب ألمانيا وإيران والاتحاد الأوروبي ــ فرصة ممتازة لإثبات أن نجاح التعاون المتعدد الأطراف بين القوى العظمى لا يزال في حكم الممكن. سجلت العملية انطلاقة طيبة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى حرص الأوروبيين على تسهيل المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الأميركي والإيراني. وتتمثل العقبات الرئيسية في طبيعة العقوبات التي ينبغي للولايات المتحدة أن ترفعها، وتسلسل أي عودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. وتصر كل من الولايات المتحدة وإيران على أن يتخذ الطرف الآخر الخطوة الأولى.

تتمثل عقبة إضافية في الهجوم الأخير على محطة نطنز لتخصيب اليورانيوم في إيران ــ وهي الأكبر في البلاد ــ الذي جرى تنفيذه أثناء انعقاد المفاوضات و نُـسِـب على نطاق واسع إلى إسرائيل. في رد انتقامي، أعلنت إيران أنها ستبدأ تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60%، أي أعلى بثلاث مرات من مستوى 20% الذي التزمت به حتى الآن (والذي يتجاوز كثيرا بالفعل مستوى 3.7% المسموح به بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة). تقترب إيران على نحو متزايد من مستوى التخصيب 90% اللازم لإنتاج قنبلة نووية، وعلى هذا فإن حيز المناورة في فيينا يتضاءل.

في العلاقات الدولية، يُـعَـد المثالي عدو الخير، والأوهام ليست معيارا مفيدا. لم يكن المقصود من خطة العمل الشاملة المشتركة أن تكون حلا سحريا، لكن من المؤكد أن نزع فتيل تهديد الانتشار النووي أفضل مسار لمعالجة السلوك الإيراني المزعج في مجالات أخرى. ومن المؤكد أن محاولات التخريب، مثل هجوم نطنز الذي سارعت إدارة بايدن إلى التبرؤ منه ، ليست بديلا مقبولا ومستداما للجهود الدبلوماسية.

من الأهمية بمكان أن نتذكر أين كنا قبل خطة العمل الشاملة المشتركة، وأن نتأمل إلى أين أخَـذَنا أولئك الذين سعوا إلى هدمها. كانت دوامة التوترات التي شهدناها في السنوات الأخيرة طائشة. ويستلزم وقفها بالضرورة توظيف الدبلوماسية المكثفة ــ التي يجب أن يتبعها المزيد منها.

*الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي

المصدر: project syndicate

ترجمة: إبراهيم محمد علي