بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

26 آذار 2018 12:29م بعد 15 عامًا.. دروس من حرب العراق

حجم الخط

مدريد--مرت 15 سنة منذ أن بدأت واحدة من أكثر الأحداث المشؤومة في أوائل القرن الواحد والعشرين: حرب العراق. بعد هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا تحت عنوان "نحن جميعًا أمريكيون"، كما توقعت أن تصبح روسيا حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة. لكن كل شيء تغير بشكل جذري مع غزو الرئيس الأمريكي جورج بوش للعراق في مارس / آذار2003.

نحن نعلم الآن أن الحرب، التي خلقت انشقاقا داخليا في الشرق الأوسط، تمثل بداية نهاية الهيمنة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة. كما نعرف أيضاً أنه على الرغم من أن غزو العراق كان ضمن إطار "الحرب ضد الإرهاب"، لقد وُضع الأساس لغزو العراق قبل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول.

وفي أوائل يناير/ كانون الثاني 1998، دعا مشروع المحافظين الجدد من أجل قرن أمريكي جديد (PNAC) الرئيس بيل كلينتون إلى الإطاحة بصدام حسين في العراق. وبعد فوزه بالرئاسة في عام 2000، أعلن بوش أن العراق تعد من أهم أولوياته الأمنية. وليس من قبيل الصدفة، أن إدارة بوش ضمت عشرة من 25 موقع على وثيقة تأسيس المشروع، بما في ذلك ديك تشيني كنائب للرئيس ودونالد رامسفيلد كوزير للدفاع.

سرعان ما أصبح الوجود المزعوم لأسلحة الدمار الشامل في العراق هاجسًا لإدارة بوش، على الرغم من غياب أي أدلة قاطعة. وفي سبتمبر / أيلول 2002، ظهر تقرير تسلمه رامسفيلد حول هذه القضية، والذي يحتوي على عبارة مدمرة: "نحن لا نعرف مقدار ما لا نعرفه" عن "وضع برامج أسلحة الدمار الشامل" في العراق. لكن ذلك لم يغير الوضع.

وفي أغلب الاحتمالات، كان من الممكن تجنب الكثير من المعاناة في الشرق الأوسط لو تصرفت الولايات المتحدة بمزيد من الحذر والدقة، كما نصح هانز بليكس - رئيس لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقق والتفتيش. وفي مايو / أيار 2003، .بينما كان على متن حاملة الطائرات العسكرية أبراهام لينكولن ، ألقى بوش خطابا أعلن فيه أن "المهمة قد تمت بنجاح". ولكن إذا كان هدف المهمة يتمثل في تحرير العراق من الإرهاب وإعادة بناء البلاد وتعزيز الأمن على جميع المستويات، فمن الواضح أن المهمة قد باءت بالفشل.

وتعتقد الغالبية العظمى أن الحرب في العراق تسببت في الكثير من الويلات والمعاناة. وأدرك السياسيون الأمريكيون البارزون الذين أيدوا قرار الغزو في عام 2003 - بما في ذلك العديد من الجمهوريين والأمريكيين - بأنه لم يكن قرارا صائبا. لكن في حين كانت سياسة الغزو عام 2003 مضللة للغاية، من حيث الشكل والمضمون، فإن الفوضى التي عمت في العراق وبقية المنطقة ترجع إلى الأخطاء الأخرى التي قام بها القادة السياسيون الأمريكيون بعد الإطاحة بصدام حسين.

ومن أهمها ما سمي "بسياسة اجتثاث حزب البعث" التي قامت بها إدارة بوش للقضاء على كل بقايا النظام البعثي الجديد لصدام حسين. وفي حين أن العراق بلد ذو أغلبية شيعية، إلا أن نظام صدام السياسي كان يهيمن عليه السنيون، الذين اكتسبوا بالفعل قناعات دينية أعمق خلال التسعينيات. وبعد استبعادهم من عملية إعادة الإعمار، تحول العديد من السنيين إلى طائفيين متشددين.

أدى اجتثاث البعث أيضا إلى تفكيك الجيش العراقي. وحُرم آلاف الجنود والضباط من مكانتهم ومصدر دخلهم، مما دفع الكثيرين منهم نحو التمرد السلفي السني، بقيادة تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان سلفا للدولة الإسلامية (داعش). لم يعارض المتمردون الاحتلال الأمريكي فحسب، بل أيضاً المستفيدين منه: الأغلبية الشيعية.

وانتهى الأمر ببعض البعثيين السابقين في مراكز الاعتقال الأمريكية، حيث كانت الممارسات المسيئة واسعة الانتشار. أثناء اعتقالهم في مراكز مثل كامب بوكا في جنوب شرق العراق، اختلط البعثيون السابقون والسلفيون، واندمجت الخبرة العسكرية السابقة مع التطرف الأيديولوجي للسلفيين. وعندما أعلنت داعش "خلافتها" في عام 2014، كان ما يقدر بـ 17 من أصل 25 قائد رئيسي - بما في ذلك قائد المجموعة أبو بكر البغدادي - قد أمضوا بعض الوقت في مراكز الاعتقال الأمريكية بين عامي 2004 و 2011.

وفي الوقت نفسه، خلقت الطائفية الفوضى في حكومة العراق التي يقودها الشيعة. وفي عام 2010، أعيد انتخاب رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، على الرغم من حصول ائتلاف دولة القانون على مقاعد أقل من الحركة الوطنية العراقية الأكثر اعتدالاً بقيادة إياد علاوي. كان بإمكان إدارة باراك أوباما أن تساعد في تشكيل حكومة علاوي، لكنها نأت بنفسها عن ذلك، مما سمح للمالكي - الخيار المفضل لإيران - بالاحتفاظ بالسلطة. وأصبحت سياسات المالكي تعتمد على الذاتية والمحسوبية، والاستقطاب، مما عزز الجهادية السلفية التي تعرضت لعدة هجمات قبل انتخابات 2010.

كان رفض إدارة أوباما دعم علاوي تمهيدًا لانسحابها المبكر من العراق في نهاية عام 2011. وقد مهد القراران الطريق إلى التمرد الجهادي الذي كان يتجه بالفعل نحو سوريا المجاورة. بعد أقل من ثلاث سنوات، اضطرت الولايات المتحدة للعودة إلى العراق، ومن تم التدخل في سوريا.

الآن، بعد حملة طويلة وشاقة، فقدت الدولة الإسلامية داعش معظم الأراضي التي كانت تمتلكها في سوريا والعراق. لكن السنوات الخمس عشرة الماضية أظهرت أننا لا يمكن أن نكون راضين عن الوضع. إن حرمان الدولة الإسلامية من أراضيها لن يقضي على الأيديولوجية التي تدعمها. وفي الواقع، قد يجعلها أكثر تطرفًا.

ونأمل أن تؤدي الانتخابات العامة في العراق في أيار / مايو إلى حكومة ملتزمة بالحكم من خلال التوافق، والحفاظ على الاستقرار، والدفاع عن مؤسسات البلاد. وعلاوة على ذلك، سيتعين على الحكومة المقبلة الوصول إلى أكراد العراق ذوي العقلية الاستقلالية وإيجاد طريقة مرضية لدمجهم في العملية السياسية.

وبالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإن أحد أهم الدروس التي يجب تعلمها من السنوات الخمس عشرة الماضية هو أن التدخلات العسكرية التي تهدف إلى تغيير النظام ستؤدي في الغالب إلى كارثة، خاصة في غياب خطة معقولة لما سيأتي بعد ذلك. أظهرت حرب العراق أن تكلفة التخلي عن القنوات الدبلوماسية من جانب واحد يمكن أن تكون مرتفعة.

ونأمل أن تأخذ إدارة ترامب، ولاسيما وزير الخارجية القادم مايك بومبيو، هذه الدروس بعين الاعتبار، خاصة مع اشتداد التوتر مع إيران. إن نفوذ إيران الإقليمي المتنامي يدين بالكثير لأخطاء أميركا في العراق، بدءاً بالتخلي عن الدبلوماسية. وسيؤدي نهج أمريكي مشابه نحو إيران إلى جيل آخر - أو أكثر - من الاضطرابات في الشرق الأوسط.

المصدر: PS، موقع "اللواء"