بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2018 12:05ص مأساة الموقوفين القُصَّر بالسجون.. عالم لا يرحم!

القاصر عثمان محمد آغا القاصر عثمان محمد آغا
حجم الخط
جُلُّ ما كان يخشاه هارون إبن الـ 16 سنة، وهو داخل سجن الرملة البيضاء - ثكنة فخر الدين أنْ «تغفو عيناه ليلاً ويسلّم نفسه لسجناء أكبر منه سنّاً»، فكان يعمد وزميل له في الغرفة إلى التناوب على النوم، فكيف بإمكان هارون أن يثق بمستقبله لحظة خروجه من السجن؟!.
لم تكن تهمتهم خطيرة بقدر معاناتهم داخل سجون لا يكنّون لها أي انتماء، ولا هم يلقون فيها العناية المطلوبة «كأحداث» قادرين بعد خروجهم على متابعة حياتهم بشكل إيجابي، بعدما يكون السجن، الذي دخلوا إليه بسبب «خطأ ما» قد عمل كما هو مطلوب قانوناً على تأهيلهم وإصلاحهم، فإذا بهم يفترشون الأرض الى جانب رجال كانت لهم صولات وجولات في عالم الإجرام (قتل، مخدرات، تحرّش واغتصاب، إرهاب).
أكثر من 100 قاصر يعيشون اليوم داخل السجون اللبنانية، التي تعاني مشاكل جمة لجهة الاكتظاظ وعدم تأمين أدنى مقوّمات العيش السليم مع ما يمكن أنْ يرافق ذلك من مسلسلات الإجرام التي قد لا تنتهي سواء داخل السجن أو خارجه، وإذا كان الرجال يشتكون من سوء المعاملة داخل السجون، فكيف الحال مع أطفال لم تتجاوز أعمارهم الـ 15 سنة، وهم في الواقع ما زالوا بحاجة ماسّة إلى رعاية أهلهم، فإذا بقساوة الحياة تفرض عليهم واقعاً جديداً لا يعرفون عنه شيئاً في الوقت الحاضر، إلا أنّه بلا أدنى شك سيرسم مستقبلهم المدموغ بالفشل والسوداوية.

وأكثر ما يمكن أن يحز في النفس هو أن الغالبية الساحقة من هؤلاء القصّار هم من أبناء منطقة باب التبانة التي حُكِمَ عليها بالإعدام منذ سنوات الحرب الأهلية بعدما تركت أبنيتها شواهد حية على الإجرام، فلم تحظ بالعناية وإعادة الاعمار كغيرها من المناطق اللبنانية، فكان القدر محتوماً «دمار البشر والحجر»، ومخطئ من يظن بأنه سيكون لها ولأهلها «نهضة من كبوتها» سواء في الحاضر أو المستقبل.
أهالي قُصَّر يروون المعاناة
{ فاطمة عبد العزيز لهباوي (شقيقة الموقوف أحمد) قالت: «منذ سنة ونصف السنة، شقيقي موقوف بتهمة الارهاب، اليوم عمره 18 سنة، بداية تمَّ سجنه ضمن سجن الرملة البيضاء - ثكنة فخر الدين، والتهمة الملصقة به تعود لسنوات طويلة أي حينما كان عمره 13 سنة، فهل بالامكان اتهامه بمعارك لا تشبه سنوات عمره بشيء؟؟؟».
وتابعت: «أحمد يعمل في دهان الموبيليا، وكان يحرص على صلاته، وأعتقد بأن هذه هي تهمته الوحيدة، كعائلة صدمنا للوهلة الأولى، لكن بدأنا العمل على نقله من سجن يضم العديد من المجرمين، فضلاً عن الصعوبات التي كانت تعترض أحمد لجهة عدم وجود انارة أو اي امكانية لإدخال الطعام والشراب. عانينا الأمرّين لكن معاناتنا لا تقاس بتاتاً بمعاناته كونه قاصراً، ولا يتمتع بأي قدرة على المواجهة، وبعد تحديد موعد أوّل جلسة له أستطيع التأكيد أنّ القاضي حسين العبدالله انصدم من عمره ومن وجوده ضمن سجن لا يمت له بأي صلة، حتى ان أحمد نجح في التأثير عليه من خلال بكائه الذي هزَّ أرجاء المحكمة، فأحمد الذي عاش في منطقة التبانة شارع سوريا تحديداً عانى الويلات خلال الجولات القتالية بسبب خوفه الدائم من صوت الرصاص والقذائف فكيف بإمكانه المشاركة في المعارك؟؟؟ سؤال طرحه أحمد على القاضي الذي التزم الصمت، وطلب نقله الى مركز الأحداث في سرايا طرابلس، والحقيقة ان أحمد اليوم ضمن نظارة السرايا وليس مركزاً للأحداث».
وردّاً على سؤال قالت: «كعائلة نعاني على كافة الصعد ان لجهة مواجهة شقيقي، وإنْ لجهة تأمين المأكل والملبس، فإلى متى علينا دفع الأثمان الباهظة نحن أبناء التبانة؟؟ وللجميع نقول أشقاءنا وأصهرتنا وأقرباءنا هم الجيش اللبناني فكيف ندعو الى مقاتلتهم؟؟؟ زوج أختي عنصر في الجيش فكيف نقف في وجههم؟؟؟ أسئلة كثيرة نطرحها لكن ما من جواب.. نناشد الدولة ضرورة الاسراع بإنهاء ملف الموقوفين من أبناء التبانة نظراً لمعاناة الأهالي والسجناء.
{ ربى شاكيش والدة عثمان محمد آغا (15 سنة موقوف منذ ثمانية أشهر) بتهمة التواصل مع الاشارة الى انه لا يملك هاتفاً، قالت: «تهمته التواصل مع فتاة فلسطينية في مخيّم عين الحلوة، وما يثير نقمتنا كأهالٍ هو أنّ الجيش اللبناني قام باعتقال ابني بقوة السلاح من داخل المحل الذي يعمل فيه، وبعد انقطاع دام 20 يوماً علمت بأنّه ضمن مبنى الأحداث في سجن رومية، وهنا اود أن الفت نظر الجميع الى أن ابني تعرّض للتعذيب والضرب المبرح، وحتى اليوم لا يزال جسده يشهد على آثار الضرب، هذا فضلاً عن نفسيته المحطمة. تقدّمنا بطلب اخلاء سبيل ولكن رفض.
عثمان لم تكن له أي علاقات مشبوهة، وهو كان يعمل ليعيلني وأشقائه بعدما توفي والده منذ سنوات طويلة، وأقوم بزيارته في السجن مرة أسبوعياً، وفي كل مرة أجده بحالة أسوأ من قبل، حينما حضر أول جلسة سأله القاضي أنت من مواليد 2002 ماذا تفعل عندنا؟؟؟ حتى إن مندوبة الأحداث أجهشت بالبكاء من هول صدمتها، ومع هذا تم تأجيل جلسته ثلاثة أشهر وعشرة ايام، وهنا أسأل اذا ظهرت براءة ابني من يعيد له ثقته بنفسه وبالدولة ويرفع عنه آثار الظلم الذي تعرض له؟؟
السجن يولّد الحقد في قلب إبني، وأنا فعلياً أخاف عليه لحظة خروجه من السجن لم تعد لديه الثقة بأحد، وتفكيره قد تغير بعد معاشرته للسجناء، مَنْ يرفع عن كاهلنا الظلم اللاحق بنا؟؟ مَنْ تراه يسمع لصرختنا؟؟ هل ماتت ضمائر المسؤولين؟؟؟ وطالما أنّه ما من مال لدينا فأنا أعاني الأمرّين أسبوعياً كي أتمكن من تأمين الأكل والملبس وحتى المواصلات، ومنذ خروجي من السجن ابدأ بالبكاء كون منظر ابني مأساوي بالفعل».
{ من جهتها باسمة فوزي عبدو (والدة هارون شعبان إبن الـ 16 سنة) قالت: «منذ تسعة أشهر تم إدخال إبني الى السجن بتهمة الارهاب، والجيش لجأ بداية الى اعتقال ابني الكبير بهدف تسليم هارون، وهذا بالفعل ما جرى، لكن الحقيقة أن أولادي اليوم داخل السجن دون أن يكون لنا كأهل الحق في السؤال عن مصيرهم، وهنا اشير الى ان هارون أدخل الى سجن الرملة البيضاء مدة ثلاثة أشهر، وكان يتفق مع رفيق له في السجن على أن تكون فترات النوم مداورة في ما بينهم خوفاً من الأجواء السائدة كونهم يعيشون مع رجال أكبر منهم بكثير ويخافون من التحرّش بهم سيما أنه ما من كهرباء ليلاً، فأي قانون هذا الذي لا يحمي الأحداث؟؟ وأي مستقبل نتوقّع لأبنائنا؟؟؟ بعد مطالبتنا المريرة تم نقله الى مركز الأحداث في سجن رومية.
إبني كان يعمل ضمن ورشة «باب الدهب» في التبانة، وبالفعل لم يكن ليهتم بالأمور الأمنية على الرغم من ضغطها الرهيب علينا كأبناء التبانة، ومع ذلك لم يسلم من هذا الواقع.. زوجي في السجن ونحن دائماً ما نقف الى جانب الأهالي في معاناتهم كوننا أبناء منطقة واحدة عانت الحرمان والظلم على كافة الصعد، وبدلاً من أن تلتفت الدولة الينا نجدها تمعن في ظلمنا، نناشد جميع المعنيين وعلى رأسهم وزير العمل محمد كبارة إبن هذه المدينة ضرورة نقل كل السجناء القصار الى سرايا طرابلس لضمان رعايتهم وحمايتهم من جهة، ولوضع حد للذل الذي يلقاه الأهالي على أبواب سجن رومية».