بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيلول 2017 12:18ص أزمة باطنها سياسي.. وظاهرها مالي؟

حجم الخط
دوّامة الإرباك التي تُحاصر مجلس النواب والحكومة، بعد قرار المجلس الدستوري بإبطال قانون الضرائب 45/2017، تحتاج إلى كثير من التروّي والحكمة والتبصّر، للخروج من هذا المأزق، بأقل قدر ممكن من الخسائر على الصعيدين الاقتصادي - النقدي، والاجتماعي - المعيشي.
لا لغة الانفعال تنفع، ولا التهديد بالإضراب يُفيد، ولا الانزلاق إلى حفلة جديدة من المزايدات والشعارات الشعبوية يساعد على التوصّل إلى الحلول الممكنة والآمنة، سواء بالنسبة للمستفيدين من السلسلة، أو حتى بالنسبة لكل اللبنانيين، الذين سيدفعون أثماناً باهظة، في حال اهتزاز الاستقرار النقدي، وتفلت أسعار الدولار والعملات الصعبة.
التزام الحكومة والمجلس النيابي، والأطراف السياسية المعنية، بالحفاظ على السلسلة، وتنفيذ ما نص عليه القانون 46/2017، يجب أن يؤخذ بالجدية اللازمة من قبل الهيئات النقابية والتعليمية، وإفساح المجال أمام الحكومة لإعداد قانون يؤمن الموارد اللازمة للخزينة، وتوفير التمويل الكافي لأعباء السلسلة.
النزول إلى الشارع، واللجوء إلى التظاهر والاعتصامات، يجب أن يتجاوزا المطالبة بتنفيذ السلسلة إلى رفع الصوت عالياً لتأمين التمويل عبر الحد من الهدر والإنفاق غير المجدي، وصفقات الفساد الموصوفة، واستبعاد فرض ضرائب جديدة تزيد الضغوطات المعيشية على أصحاب الدخل المحدود، وترهق القطاعات الإنتاجية في اقتصاد يعاني من حالة اختناق بسبب تراجع حركة التصدير، وانعكاساتها السلبية على مستوى الدخل الوطني.
ليس صعباً على الحكومة أن تشهر سيف الإصلاح الإداري والمالي، لتسهيل تأمين أموال السلسلة من دون تعريض الليرة لأي اهتزاز مفاجئ، سيؤدي في حال حصوله، إلى الإطاحة بكل مكاسب السلسلة وزياداتها، على غرار ما حدث عام 1991 اثر الزيادات المتسرّعة التي اعتمدت لتحسين رواتب موظفي الدولة، فكان أن «طار» الدولار إلى عتبة الثلاثة آلاف ليرة خلال أيام قليلة!
وما يتردد عن توفير 300 مليار ليرة من أموال المساعدات المخصصة للجمعيات والهيئات الاجتماعية، والتي يُعتبر معظمها وهمياً، خطوة نموذجية في الاتجاه الصحيح، خاصة في حال استكمالها باقتطاع 300 مليار ليرة أخرى من بند المفروشات للدوائر الحكومية من الموازنة.
وإذا أضفنا إلى تلك المبالغ ما يمكن توفيره، في حال تأجيل تنفيذ البطاقة الممغنطة بكلفة 133 مليون دولار، والاستعاضة عن البواخر التركية الجديدة بخطة تعتمد الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية، يمكن عندها تحقيق وفر في الموازنة يقدر بمئات الملايين من الدولارات، لأن عجز الكهرباء وحده يناهز المليارين، وإجرة الباخرتين التركيتين تصل إلى 1.8 مليار دولار لمدة خمس سنوات!
إذن، لا عُقد في إمكانية تمويل السلسلة من دون فرض ضرائب جديدة على كاهل الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود، بل العقدة الأساسية في عدم توفّر الإرادة الحاسمة لدى الأطراف السياسية المعنية في الحد من الهدر، والتصدي لصفقات الفساد، التي سجلت أرقاماً قياسية وغير مسبوقة في تاريخ دولة الاستقلال!
وأخيراً... يبقى السؤال:
هل المسألة تقتصر على التمويل فقط.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
ولماذا يُشكّك البعض بوجود دوافع سياسية وراء قرار المجلس الدستوري، المعيّن أعضاؤه أصلاً بترشيحات من المرجعيات السياسية لكل طائفة؟
ومَن يقول أن الجمهورية تمر بمرحلة صعبة نتيجة حالة عدم الانسجام المستعصية بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وبالتالي فإن باطن الأزمة سياسي، رغم ظاهرها المالي؟
تعددت التكهنات والتحليلات، والنتيجة واحدة: السلطة انزلقت إلى دوّامة من الإرباكات والإرهاصات المالية والقانونية، وتحتاج إلى رؤية واضحة وقرارات نزيهة وجريئة للخروج منها!