بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 تشرين الثاني 2019 12:21ص أول الأبناء الشرعيين لانتفاضة تشرين

حجم الخط
لا يمكن أن نمرَّ على انتخابات نقابة المحامين التي أجريت في نهاية الأسبوع المنصرم، مرورا سطحيا كما هو الشأن في كل انتخابات نقابية تمر على البلاد ويطويها الإهتمام بنتائجها في اليوم الذي يلي حصولها، ذلك أن مصيرها ودورها يبقى محصورا في نومها العميق وقصورها الفاضح عن تمثيل الفئات التي تنتخبها لأنها في واقع الأمر، حصيلة سلطوية وحزبية ومذهبية، لا يسمع لها صوت ولا موقف إلا بأمر السلطة والزعيم والممسك بمفاتيح الطائفة والمذهب، وهذا واقع مؤسف ما زلنا غاطسين في أتونه منذ عقود بعيدة، وهو وسيلة ناجعة من وسائل التحكم والتسلط. 

وكما كانت الثورة - الإنتفاضة التي يعيشها الوطن، مفاجئة في اندلاعها وزخمها وشموليتها الوطنية، وضعا مستجدّا على اللبنانيين، لم يعهدوه من قبل، ولم يلمسوا آثاره الجذرية والمدوية في أية مرحلة من مراحل الوجود اللبناني السابقة، فهي في استمراريتها وشمولها وشعاراتها وتصرفاتها العملانية على الأرض وفي مواجهة التحكم السلطوي والفساد الضارب أطنابه في شتى الحقول والميادين السلطوية والمتسلطة، سواء من خلال أحزابها وزعمائها وأزلامها المتلهفين إلى المال الحرام وإلى ابتلاع ثروات بلادهم وحجب اللقمة والحقوق المختلفة عن أفواه واحتياجات المواطنين المكابدين الصابرين. 

جاءت الثورة – الإنتفاضة، ولم تكتف حتى الآن بوجودها المستجد الناجح والفاعل، بل باتت ثورة ولاّدة، تعطي للوجود كيانات هي من صلب رحمها ومن عمق توجهاتها الوطنية وعقلانيتها وجذريتها ومهارتها في مسيرتها نحو إنقاذ الوطن وخلاصه، هي أقبلت في طليعة الولادات المباركة، فكانت تلك النتيجة الخيّرة والمبهرة التي أوصلت إلى الوجود نقيبا للمحامين، هو من صلب رحمها وفي طليعة مناضليها، وكما رأى فيه البعض، أحد قادة الثورة - الإنتفاضة المداومين على التواجد في ساحاتها، حتى لأطلقت عليه تسمية إبن ساحتي الشهداء ورياض الصلح. لطالما كان المحامون المستقلون يعانون من الوصول إلى عضوية نقابة المحامين، أُم النقابات وأهمّها وأفعلها، ولطالما استحال عليهم الوصول إلى موقع نقيب المحامين الذي غالبا ما كان الفوز به محصورا بمرشحي الأحزاب أو بتناغمهم وتوافقهم فيما بينهم على الوصول إلى موقع النقيب، ولطالما كان هؤلاء النقباء طليعيين في نشاطاتهم المهنية وفي تناسيهم لمواقفهم الأساسية لمصلحة موقعهم كمنتخبين أعضاء (أو نقيب) لنقابة المحامين، ونادرا ما شعر المحامون أن من انتخبوه منهم منكفئ ومتشبث بانتمائه الحزبي والفئوي. 

وللأسف كان نقيب المحامين السابق أحد هؤلاء النقباء الذين تشبثوا بحزبيتهم وباتخاذ القرارات الموحى إليه بها من قيادة حزبه (الإصلاح والتغيير)، مما أسهم في تنمية الغضب الذي نشأ وشاع في أوساط المحامين على كافة انتماءاتهم، وقد أسهم هذا التصرّف في ولادة نقابية جديدة تنتمي في جذورها وفي توجهاتها إلى أغلبية الشعب اللبناني المنقلب على توجهاته السابقة التي لطالما كانت رابضة ومتشبثة بجملة من الانتماءات الفئوية، فكانت تلك الإنتفاضة المباركة التي عمّت الأغلبية الساحقة من اللبنانيين وخاصة منهم، شبابهم الطالع الذي تشبث بخيوطها وخطوطها المرتبطة بصورة أساسية بانتماء وطني شامل، نابذ للطائفية وللفئوية، وراغب في بناء وطن على أسس قوية وثابتة، شأنه في ذلك شأن معظم الشعوب الراقية بتوجهاتها وقناعاتها وثقافتها المتميزة، ولبنان دون شك، هو واحد من تلك الشعوب التي لطالما اعتبرت في طليعة البلدان المتقدمة في حضارتها وإنسانيتها وثقافة أبنائها وبنجاحهم في شتى مواقع التميز في العالم بأسره. وجاء على هذا البلد حين من الدهر، أُلقي به في حضيض الإنحطاط والتخلف، الأمر الذي جعل من لبنان واللبنانيين في إطار التلاعب بمصيرهم ومستقبل أبنائهم سببا أساسيا دفع بهم إلى الثورة – الإنتفاضة التي ما زلنا نعيش غمارها منذ ما يزيد على الشهر، وكل الدلائل تؤشر على أنها إلى مزيد من الالتهاب والتفجير المتلاحق، إلى أن يتمكن الثوار المنتفضون من تحقيق أهدافهم ومطالبهم وقلب الطاولات جميعا على رؤوس المتمسكين بالكراسي والمكاسب والمناصب. 

تحية إلى نقابة المحامين وإلى بروز انضمامها إلى ثورة الثائرين، ومن أجدر بالإنتماء إلى هذه الثورة من أولئك الشبان من أهل الحق والقانون فهم في طليعة القادرين على تنظيم شؤون وشجون هذا البلد المعذب. 

وها هي الثورة – الإنتفاضة تثبت وجودها مرّة أخرى من خلال موقفها الحازم الصارم من جلسة مجلس النواب التي كان يفترض انعقادها يوم الثلاثاء المنصرم فأقبلت جموع شعبية هائلة، مليونية التعداد، متنوعة الأبعاد لتفرض تأجيل هذه الجلسة إلى أجل غير مسمى وفقا لمطالب جموعها وحشودها وقراراتها وآفاقها المستقبلية المضيئة التي فتحتها أمام الوطن والمواطنين، ولعل ذلك يشكل ولادة أخرى لمزيد من المكاسب الشعبية التي تؤكد على استمرارية ثورتها إلى ما شاء الله وشاءت الإرادة الشعبية. 



المحامي محمد أمين الداعوق

daouknet@idm.net.lb