بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 أيار 2018 12:41ص أي حكومة... ولبنان إلى أين؟

حجم الخط
لم يعد المطلوب أو المفيد العودة للحديث عن قانون الانتخاب الذي جرى توصيفه «بالغريب والعجيب»، أو الحديث عن الشوائب التي رافقت العمليات الانتخابية، وأبرزها «الخيانات» التي حصلت بين مرشحي اللائحة الواحدة، واستعمال المال السياسي في عملية شراء المقاعد من قبل المتمولين على لوائح أهل السلطة والأحزاب والتيارات الرئيسية، حيث تفترض دقة الأوضاع الداخلية، وخطورة المجريات الإقليمية الاسراع في تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات المزمنة والطارئة التي يواجهها لبنان على المستويين الداخلي والخارجي، وخصوصا ما يعود منها لتجنيب لبنان الوقوع ضحية حرب إقليمية بدأت سحبها السوداء تتكون في سماء محيطه المباشر.
في الواقع، لم تشكّل نتائج الانتخابات أية مفاجأة للمتتبعين للوضع السياسي اللبناني، حيث توقع العديد منهم ان يصب القانون الانتخابي في صالح «محور المقاومة» وأن تتكون لديه أكثرية نيابية بحيث يتمكن مع حلفائه وأبرزهم «امل» و«التيار الوطني الحر» من الإمساك بدفة السلطة بشطريها التشريعي والتنفيذي.
كان من المعوّل عليه ان تأتي الانتخابات بعد تسع سنوات، من العقد التشريعي والسياسي بمجلس جديد، يحمل الأمل بعملية إصلاحية، توقف الفساد، وتفعّل الأداء السياسي والاقتصادي والإداري، كما تضع في أولوياتها ضرورة استعادة القرار السيادي، وبالتالي العبور بالبلد إلى برّ الأمان.
لن نتوقف طويلا عند النتائج التي أفضت إليها المحطة الأولى في إعادة تكوين السلطة من خلال انتخاب رئيس ونائب رئيس وهيئة مكتب للمجلس النيابي، حيث عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل عقد ونصف من الزمن، ومع بعض الرموز التي سبق واعتقدنا بأنها قد غابت عن المسرح السياسي دون أي أمل لها بالعودة.
ما يهما الآن ما يجري الاعداد له في الاستحقاق الثاني والمتعلق بتشكيل حكومة جديدة، بعد تكليف الرئيس سعد الحريري بهذه «المهمة الشاقة»، وفي زمن يواجه فيه لبنان تحديات خطيرة وخيارات معقدة، على المستويين الإقليمي والدولي.
ستعترض مسار تشكيل الحكومة العتيدة كل التعقيدات الناتجة عن مطالب المحاصصة، التي تطالب بها جميع الأحزاب والتيارات والكتل النيابية، ضمن ما تعتبره من حقها الطبيعي على أساس التمثيل النيابي الذي حصلت عليه في الانتخابات، وتثير هذه المطالب مجموعة من الهواجس حيال النيّات المبيتة لدى بعضها، وخصوصا لجهة المطالبة بحصص تخرج عن السباق الذي اعتدناه في تشكيل الحكومات السابقة، لجهة عدد الحقائب أو أهمية الحقائب سواء كانت سيادية أو خدماتية، لكن لا تشكّل عملية المحاصصة وما يرافقها من مناورات وارهاصات سياسية بين مختلف القوى أزمة فعلية لا يُمكن التغلب عليها من قِبل الرئيس المكلّف. فالأزمة الأساسية تبقى مركزة على الضغوط التي يتعرّض لها لبنان إقليمياً ودولياً، والتي لا بدّ للرئيس الحريري ان يجد مخارج لها بحيث لا تنعكس سلبياً على تشكيل الحكومة.
من المؤكد بأن الرئيس ميشال عون يعوّل كثيراً على الحكومة العتيدة، وعلى قدراتها للانتاج كأول حكومة فعلية لعهده، وذلك وفق ما صرّح به تكراراً قبل الانتخابات، من هنا تبرز اهمية ان تضم الحكومة، أفضل الكفاءات المتاحة، بالإضافة، إلى ضرورة تشكيل فريق عمل متجانس داخل الحكومة، يمنع تحوّلها إلى مسرح للخلافات على المناصب والمكاسب، والصفقات وتعميق آفة الفساد واستشرائها.
من هنا تبرز أهمية توحيد الرؤية والتعاون الجدي بين عون والحريري من أجل التصدّي لكل المطالب التعجيزية التي تواجهها عملية التشكيل، مع لفت النظر إلى ان الدعوة لتشكيل حكومة وطنية لا يعني إطلاقاً تشكيل حكومة من 30 أو 32 وزيراً بحجة تمثيل العلويين والأقليات، حيث يُمكن تمثيلهم من حصتي المسلمين والمسيحيين في الحكومة.
في النهاية، على رئيس الحكومة ان يُدرك اهمية مراعاة التزاماته الداخلية والخارجية في تشكيل الحكومة، ومن أبرزها وقف الفساد، وتهيئة الظروف الملائمة للسير قدماً في تنفيذ تعهداته في مؤتمر «سيدر»، وتحويل شعار «النأي بالنفس» إلى واقع سياسي وامني، بالإضافة إلى الاستعداد لمواجهة الضغوط الإقليمية والدولية وأبرزها خطر اندلاع حرب جديدة مع إيران وحزب الله في مواجهة مع إسرائيل على جبهتي الجولان والجنوب اللبناني، وذلك في ظل التهديدات الأخيرة التي وجهها نتانياهو، مع اتهامه لحزب الله بامتلاك مصانع للصواريخ داخل الأراضي اللبنانية. ولا بدّ لرئيس الحكومة ومعه رئيس الجمهورية ان يعالجا عقدة حجم ودور حزب الله في الحكومة، واحتواء تساقطات القرار الأميركي والعربي لفرض عقوبات على الحزب وقياداته، مع الأخذ بعين الاعتبار عودة المجتمع الدولي وعلى لسان الأمين العام للأمم المتحدة بتذكير الحكومة اللبنانية بضروة تنفيذ مندرجات القرار الدولي 1559، والتذكير بضرورة العودة إلى إعلان بعبدا وحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.