بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2023 12:28ص اجتماع باريس.. ساعدوا أنفسكم أولاً!

حجم الخط
مثل الغريق الذي يتعلق بحبال الهواء، يتطلع اللبنانيون إلى المؤتمر الخماسي الذي يبدأ أعماله اليوم في العاصمة الفرنسية، للبحث في تشجيع الساسة اللبنانيين على الإسراع في إنتخاب رئيس الجمهورية، وإستعادة الإنتظام العام في السلطة، كخطوة أساسية للبحث في الخطوات الإصلاحية والإنقاذية الضرورية لإخراج بلد الأرز من دوامة الإنهيارات الراهنة.
الإجتماع الذي يضم مندوبين عن: الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر، على مستوى سفراء أو خبراء، سيشكل فرصة لتبادل الآراء والمعلومات حول الوضع اللبناني المتأزم، سياسياً وإقتصادياً ومالياً، وسبل إزالة العقبات التي تحول دون إجراء الإنتخابات الرئاسية، وتحديد «مواصفات» الرئيس العتيد، دون الخوض في بورصة الأسماء المطروحة للترشيح، المعلن منها والخفي، ودون التوصل إلى قرارات حاسمة.
أن يحظى البلد، الذي يتخبط في أزماته المتناسلة، بمثل هذا الإهتمام العربي والدولي، بعد فترة مؤلمة من التجاهل والإهمال، فهو مؤشر إيجابي على عودة البلد المُتعِب إلى دائرة المتابعة الإقليمية والدولية، وتعبير عن وجود النوايا الحسنة للمساعدة على تخطي هذه المرحلة المتدحرجة والصعبة، التي تهدد الكيان اللبناني، وتشكل خطراً على الإستقرار في المنطقة.
غير أن الحديث عن مساعدة لبنان ليس بمثل تلك السهولة التي كانت تتم في الأزمات السابقة. فقد قالها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق جان إيف لودريان بُعيْد إندلاع إنتفاضة ١٧تشرين ٢٠١٩، وبدء الإنهيار المالي: على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم حتى نستطيع أن نساعدهم. فهل حاول اللبنانيون أن يساعدوا أنفسهم طوال هذه المحنة التي قلبت حياتهم رأساً على عقب؟.
غني عن القول أن الإنقسامات الداخلية، وسياسة الإنكار والعناد المهيمنة على الحركة السياسية، قد أدت إلى تفاقم مسلسل الأزمات، وتسريع وتيرة الإنهيارات، وإلى تعطيل المؤسسات الدستورية، من الشغور الرئاسي إلى حكومة تصريف الأعمال، إلى جلسات التشريع في مجلس النواب المثيرة للجدل. الأمر الذي أدى إلى الإخفاق في تنفيذ أدنى الخطوات الإصلاحية، وبالتالي تعليق المحادثات مع صندوق النقد الدولي، وتجميد إتفاق الغاز والكهرباء مع البنك الدولي.
في ظل هذا الوضع الداخلي المتهالك، والذي يفتقد إلى الحد الأدنى من التوافق على الملفات المطروحة، وفي مقدمتها الإنتخابات الرئاسية، من الصعب توقع أن يُسفر الإجتماع الخماسي في باريس عن نتائج فورية، سواء في الإستحقاق الرئاسي، أو حتى بالنسبة للمساعدات اللازمة لدعم وضع الليرة اللبنانية. خاصة وأن المجتمعين هم على مستوى الخبراء، وليسوا من أصحاب القرار، ما يعني أن ما سيتم التوصل إليه لن يتعدى في حده الأقصى وضع «خريطة طريق»، أو التوافق على بعض النقاط المشتركة للحد من تدهور الوضع الإجتماعي والمعيشي.
والكلام عن خريطة الطريق لتحديد مسار الإنقاذ، يعني بشكل غير مباشر أن الطبخة الرئاسية اللبنانية وضعت على النار، ولو بحماوة متدنية، بإنتظار جلاء بعض الأمور الحاسمة في المنطقة، وفي مقدمتها ردع السياسة الإيرانية التوسعية في الإقليم، ولجم حكومة المتطرفين في تل أبيب، ووضع الأزمة السورية على سكة الحل.
وثمة من يعتقد أن الحل الجذري للأزمة المستحكمة بلبنان، لا يمكن أن يسلك طريق التنفيذ، قبل التوصل إلى صيغة الحل السياسي للأزمة السورية، تُعيد الإستقرار إلى بلاد الشام، من لبنان إلى العراق، ومن فلسطين إلى الأردن، وتُنهي هذه المرحلة من «الفوضى غير الخلاقة»، التي أتاحت لإيران فرصة التدخل والتوغل في الشؤون العربية، ومحاولة تحويل اليمن إلى مخلب إيراني يهدد أمن وإستقرار دول الخليج العربي، وخاصة السعودية.
تعقيدات الواقع الإقليمي، والإنشغال الأوروبي بالحرب الأوكراني، تفرض على الساسة اللبنانيين إدراك حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم، في البحث عن حلول وسطية مقبولة من كل الأطراف، تفتح أبواب قصر بعبدا، وتؤدي إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ متطلبات الدول المانحة في الإصلاحات وقرارات الإنقاذ، والعمل على وقف المأساة التي تنهش أجساد اللبنانيين، وأوصلتهم إلى الجحيم الحالي.