بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الأول 2020 07:17ص اختباء الفاسدين وراء الخلافات المفتعلة

حجم الخط
اجواء البلاد تزداد غرقا في لجج ملوثة بشتى أنواع الخلافات والنزاعات والإرتكابات الهاربة من الانتظام العام السليم للدول، وفي طليعتها ما نشهده في هذه الأيام من صنوف الفساد بشتى وقوعاته وتنوعاته. أهم ما نلحظه في هذه المرحلة العصيبة، إضافة إلى المواقف والمواقع الخارجة عن الأطر السليمة، كلام كبير تطلقه جهات محلية أساسية يطاول بعضها بعضا بأقسى التهم والكلام العنيف. الأغلبية النيابية التي أوصلت الرئيس الحريري مجددا إلى سدة التأليف الحكومي، سريعا ما واجهها العهد بشتى أظافره المستعدة لكل أنواع التصرفات المعرقلة لمسيرة إنقاذ البلاد من صنوف الخراب والدمار التي تنتظرها في قريب عاجل مغلقة عيونها واستيعابها الشخصي والوطني عن تلك المرحلة القريبة المنتظرة لوطن استضعفوه فوصفوه، ونهبوا ثرواته وحقوق مواطنيه في مالهم وحلالهم الذي أمضى معظمهم سنوات طويلة من الحراك العملي الدؤوب، لتحصيله وللحفاظ عليه لمثل هذه الأيام السوداء، فكان مصير أموالهم من مصير السرقات الحاصلة وعمليات النهب المتفاقمة، حتى فرغت كل خزائن الدولة المفترض وجودها وبقاؤها على قيد الوجود والإستمرار، فإذا بها مع مواطني هذا البلد المقهور، تتخبط في غياهب الاندحار والزوال والمعاناة الرهيبة من آثار قاتمة، معلنةً سلفا عن ذلك الجوع والعوز المفرط الذي يلاحق أبناءها والمستسلمين لثقة المواطنين والأصدقاء والأشقاء بها وبنظامها المصرفي الذي شبع انهيارا وتراجعا، فإذا بالجميع أمام أكبر عملية نصب واحتيال تواجههم وتمنع عنهم لقمة العيش ووسائل الحياة الكريمة. 

الكلّ في هذا البلد يواجه الكلّ، ويتخذ تجاه مواجهيه ومعارضيه، شتى أنواع المواقف المعادية التي باتت تهدد هذا الوطن المنكوب، بشتى أنواع المصائب والانهيارات. 

رئيس القوات اللبنانية، اشتد لديه الوتر المهاجم إلى درجة اتهم بها أعلى مراتب الحكم في البلاد «بالكذب» على اللبنانيين منذ ثلاثين عاما. 

تيار المستقبل ومؤيدوه تجاوزوا علاقاتهم الجافة والمنعدمة مع الرئيس حسان دياب، وهبّوا لنصرته معتبرين أنه قد عومل قضائيا بما يتجاوز الدستور والقانون بما يطاول الطائفة السنية في موقعها الأساسي، الأمر الذي استدعى كل هذه الهبّة المذهبية المدافعة عن موقع سيادي لا يحمل الخطأ والتهجم والتآمر عليه بمثل هذه الأساليب المستغرب صدورها عن قاضٍ عرف بسمعته الطيبة ونهجه السليم، فإذا به يخالف الدستور والقانون ويتصرف في إطار يجزّئ المسؤوليات، ويلقيها بتهمها الثانوية على البعض دون بعض آخر من اتهاماته التي أرسلها وتبناها لدى المجلس النيابي، فإذا به يعود عن التزاماته الدستورية الواضحة ويتصرف بصددها على هواه ووفقا لاجتهاداته الخاصة، وبعضهم استرسل بعد ذلك إلى حدٍّ تجاوز فيه التهم الرئيسية التي تناولت قضية المأساة العارمة التي لحقت ببيروت وأبنائها وتركتهم إلى العراء والمعاناة وتحمّل كل هذه المآسي التي خلّفها لهم وفي صلب حياتهم، ذلك «الإنفجار النووي» الذي ما زال الجميع، يبحثون عن حقيقته وأسباب حصوله والتفاصيل المذهلة التي يجري التحفظ عليها وإخفاء خباياها وخفاياها عن اللبنانيين عموما، وعن البيروتيين المنكوبين بهول الحدث الجلل الذي طاولهم في صلب حياتهم وتركهم طيلة الأشهر الخمسة المنصرمة، في لجج المعاناة متعددة الأعماق والأوجه والظلم المستمر. 

حركة أمل تواجه بهذا الخصوص كل هذا الخلل الدستوري والقانوني الذي يلاحق هذه القضية، خاصة بعد أن توجهت إلى منحى استنسابي طاول رمزا وموقعا سياديا أساسيا، ورافقته مواقف ذات جذور بعيدة تحاول في إطارها الطائفي المحض أن تنقلب بشتى الوسائل المتيسرة على اتفاق الطائف الذي وضح حدا لحرب أهلية طاحنة، استمرت سنوات وسنوات، وكان أركان السلطة القائمة في طليعة من أسهموا في حروب ومواجهات ومنافسات حادة في الإطار المسيحي، وها هم يحاولون نقلها إلى ساحات جديدة مختلفة، تتجاوز الدستور اللبناني القائم بكل أصوله وقواعده وتعمد إلى اختلاق جملة من الأعراف التي تحاول أن تبني عليها اعتباطيا، بما يخالف الدستور والواقع العملاني والسيادي بمقوماته التي يعتمدها الجميع.

وأغرب ما يواجهه اللبنانيون في هذه القضية، النزاع الذي بات مستجدا ما بين السلطة اللبنانية ولواحقها وبين المداخلة الفرنسية التي ألقت بثقلها ووزن علاقاتها المتجذرة مع أوساط واسعة من اللبنانيين، فلم تلق حتى الآن إلاّ ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي وعديد من المسؤولين الفرنسيين وما صدر عنهم من أقوال وتهم وصلت إلى حد اتهام المسؤولين اللبنانيين بالخيانة والتراجع عن توافقات الجهود التي بذلتها فرنسا لإنقاذ لبنان من المهاوي المخيفة التي يقف على حافتها الخطرة دون أي تحرّك إيجابي من أي نوع كان يدل على تحسّس بالمسؤولية الإنقاذية التي يفترض أن تتجلى لدى الممسكين بمقاليد الأمور في هذا البلد المنكوب وها هو الرئيس ماكرون سيكون مجددا في ربوعنا، وأجواء متشائمة تطاول زيارته وتوجهاته وما تبقى من أهدافها. 

وسط كل هذه المواجهات المتبادلة بين أطراف عديدة من اللبنانيين، يخشى معظم فرقائهم وضع حد نهائي لعملية الإصلاح وإزالة مواقع الفساد الشامل من الوجود، حتى لا يتحمل أي منهم أية مسؤولية عن هذا الوضع الشاذ والخطير، ولا بد لنا من أن نذكر أنه مهما طالت المماطلات وتعددت أساليب التهرّب، فإن لهذا الوطن حقوقا، لأهله ومواطنيه تتأصل في صلب الوجود الوطني ومستحقاته ومتطلباته، ولا بدّ لهذا الليل أن يحلّ مكانه، نهارٌ يستعيد الضوء والنور إلى كل صاحب حق، أكله أهل النصب والاحتيال، وتجاوز كل الممنوعات والمحرّمات. 

daouknet@idm.net.lb