بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الثاني 2020 12:45ص الإفلاس السياسي والحسابات الأمنية الخاطئة

حجم الخط
شهدت بيروت في نهاية الأسبوع الفائت تصعيدًا غير مسبوق للانتفاضة الشعبية التي دخلت في شهرها الرابع، وذلك بالرغم من الظروف المناخية القاسية. استعملت القوى الأمنية في مواجهة هذا التصعيد مختلف وسائل القمع المتاحة لها من مدافع رشّ المياه، والقنابل المسيلة للدموع، والضرب المبرح، والتوقيفات للعشرات من المتظاهرين، إلى أن وصلت إلى استعمال الرصاص المطاطي عن مسافات قريبة، مستهدفة رؤوس المتظاهرين، مما أدّى إلى إصابة متظاهرَين في عيونهما. مما دفع هذا الاستعمال المفرط لوسائل القمع وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان، وبعض الديبلوماسيين وعلى رأسهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى رفع الصوت وتحذير السلطات من الاستعمال المفرط للقوة ضد المتظاهرين. 

كان يفترض بالمسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف بذل المزيد من الجهود السياسية لتسريع عملية تشكيل الحكومة، بدل الوقوف عند مطالب أحزاب الصف الواحد، التي توافقت على تسمية حسان دياب لتشكيل الحكومة، وكان من المفترض أن تتشكل الحكومة من اختصاصيين مستقلين، وهذا ما وعد به الرئيس المكلّف في مناسبات متكرّرة. 

أظهرت مناورات فريق العهد وأحزاب وقوى 8 آذار خلال الأسابيع الطوال لعملية تأليف الحكومة بأنها لم تسمع صرخة الشارع، وبأنها غير مهتمة بتدارك خطر السقوط المالي والكساد الاقتصادي والانهيار النقدي مع كل مفاعيله وتساقطاته السامة على حياة الناس، وبات كل ما يهمها ويشغل بالها يتركز على الحفاظ على مكاسبها في جمهورية قامت أساسًا على تسوية كرست المحاصصة حيث تدرجت الأمور من الاختلاف على تقاسم الوزارات السيادية والخدماتية الدسمة، لتنتقل في مرحلة ثانية للعمل على الضغط على الرئيس المكلّف للقبول بحكومة موسعة، يتقاسمها السياسيون مع الاختصاصيين من التكنوقراط، وجاءت المرحلة الثالثة لتكشف عن الأهداف الحقيقية للتيار الوطني الحر، والتي تتمحور على احتكار التمثيل المسيحي من جهة والتمسك بامتلاك الثلث المعطل داخل الحكومة، وهي البدعة التي درجت عليها قوى 8 آذار منذ اتفاق الدوحة عام 2008. وتمخضت المرحلة الرابعة عن مناورة مكشوفة لاثبات الأوزان السياسية بين القوى المسيحية في 8 آذار، والتأكيد على التوازنات في ما بينها، استعدادًا لمعركة الرئاسة المقبلة، مع ضرورة استطلاع موقف حزب الله «غير المنحاز» لهذا الفريق أو ذاك في هذا الوقت المبكر لمعركة رئاسة الجمهورية بعد ميشال عون. 

لم يتجاوب الرئيس المكلّف مع جهود مختلف الأفرقاء وخصوصًا الوزير جبران باسيل للسيطرة على عملية التأليف، وعبّر عن ذلك بقوله «أنا من يشكل الحكومة»، معلنًا تمسكه بحكومة اختصاصيين من 18 وزيرًا، وأثار هذا الموقف حفيظة فريق العهد والذي ذهب إلى التلميح بمطالبة دياب بالتنحي، ورد الأمانة، ولكن سرعان ما جرى التراجع عن هذا المطلب غير الدستوري، بعد ما ردّ عليه دياب بقوله «لن اعتذر ولن أستقيل». 

لكن يبدو بأن العقبات التي واجهتها عملية التأليف، واصطدام الرئيس المكلّف بمواقف رئيس الجمهورية السلبية من التشكيلات التي طرحها عليه على الأقل في لقاءين، مع استمرار الضغوط عليه مع فشل حزب الله أو عدم رغبته في حسم الأمر للتعجيل في تشكيل الحكومة قدّ فتّ من عضد الرئيس دياب، والذي بدأ بالتراجع عن موقفه القائل بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين من 18 وزيرًا، وهذا ما يفسّر على ما يبدو قبوله بتشكيلة من 20 وزيرًا، موزعين لحصص على الأحزاب والقوى السياسية، مع احتفاظ التيار الوطني الحر بالثلث المعطل وحصول المردة على وزيرين والدروز على وزيرين، ووزير للحزب السوري القومي الاجتماعي. 

السؤال المطروح بإلحاح: كيف سيواجه رئيس الحكومة ومن خلفه أحزاب 8 آذار ومن خلفهم حلفاؤهم الخارجيون في دمشق وطهران الانتفاضة الشعبية وكل المطالب التي رفعتها، وأولها حكومة إصلاحية مستقلة ودعوة لانتخابات مبكرة، مع العمل بسرعة على وضع خطة إصلاحية للأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة مع إعلان الحرب على الفساد واستعادة المال المنهوب؟ 

من المتوقع أن يثير إعلان تشكيل حكومة وفق خطوط المحاصصة السياسية الحاصلة غضب الشارع، وتصعيد الحركة الاحتجاجية مع إمكانية جنوحها إلى العنف والتخريب ومواجهة أية عملية قمعية قد تلجأ إليها السلطة، على ضوء نتائج الاجتماع الأمني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية يوم الاثنين الماضي، والذي يؤشّر إلى اتخاذ إجراءات قاسية، تحت شعار حماية سلمية المظاهرات، والاقتصاص من المندسين والمخربين. كان من المفترض أن يدعو الرئيس عون إلى اجتماع سياسي بدل الاجتماع الأمني للبحث في إعداد مراسيم تشكيل حكومة مسؤولة، تملك الرؤية والسلطة والانسجام، وبما يمكنها من استعادة ثقة الناس بدل عقد مجلس أمن مركزي، هو أصلاً من صلاحيات وزير الداخلية. 

لا يمكن استبدال السياسة بالأمن، فاللبنانيون لا يمكن أن يقبلوا بالعودة إلى الدولة الأمنية وممارساتها، بعد أن دفعوا أثمانًا غالية للتخلص منها بإخراج الجيش السوري من لبنان عام 2005. 

ليس المهم إعلان تشكيل حكومة لا تملك الرؤية والقدرة على التجاوب مع مطالب الثوار الرافضين للطبقة السياسية الراهنة. من المؤكّد أن الانتفاضة ستتصدى لهذه الحكومة، وستمنع وصول النواب إلى ساحة النجمة لمناقشة بيانها الوزاري والتصويت على الثقة. البلد ما زال يواجه نفس المأزق- والذي يتفاقم بفعل التأخير وهدر الوقت، وبما يثير المخاوف من إضاعة آخر فرصة تعطي الأمل لحصول لبنان على الدعم العربي والدولي لمساعدته على النهوض من جديد. ولا بدّ من تحذير السلطة من اللجوء إلى المزيد من القسوة والقمع، والدفع بالتالي نحو الشغب والعودة إلى الحرب الأهلية في ظل حكومة مطعون باستقلاليتها مع رئيس لا يحظى بدعم الطائفة السنية، وبات محسوبًا على قوى 8 آذار.  من المتوقع تشكيل الحكومة في الساعات المقبلة ، وقد يستدعي ذلك حبس الانفاس بانتظار المفاجآت التي يمكن ان يأتي بها الشارع من اجل اسقاطها.