بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2018 12:12ص الحاخام الأكبر «بنس» يخطب في الكنيست

حجم الخط
أواخر الأسبوع الماضي، لم تبق مدينة كبرى أو صغرى على مدى الولايات المتحدة، لم يخرج مواطنوها وفي طليعتهم أكثريات نسائية في اطار حشود تعد بعشرات الآلاف، وقد تكللت رؤوس المتظاهرات خاصة، بقبعات تسمى «البوسي هات»، وهي الرمز الذي سبق للرئيس ترامب ان تبجح باعتماده في أكثر من شريط تلفزيوني مصور ومغزاه الذي تغنّى في شرحه للأميركيات خاصة بأنه قادر على مداعبات بذيئة بالقول والفعل، الأمر الذي دفع بالمتظاهرات الأميركيات إلى وصفه بالمهرّج، ومكان تهريجه يقتضي أن يكون في «السيرك». 
كنا نظن أن أهم ما يمتلكه الرئيس الأميركي من صفات يتمثل في ضيق الأفق وضحالة الخبرة السياسية وسوء التقدير السياسي والإجتماعي، وإذا بنا مع مرور الأيام نجد ان هذا الرئيس تمتد «كفاءاته» إلى مدى أكبر اتساعا وصولا في ذلك إلى المستوى المتردّي المتمثل «بالبوسي هات» التي أصبحت شعارا للمظاهرات التي امتلأت بهتافاتها ومغازيها ومعانيها، شوارع المدن الكبرى الصغرى في مجمل الولايات المتحدة. 
لقد توخينا من هذه المقدمة التي صيغت بكثير من «الاحتشام»، أن تكون مدخلا إلى واقع الحياة السياسية التي باتت تحكمها أوزان من هذا النوع من الحكّام الذين باتوا ينتجون للعالم «تحفا» من الآراء والمواقف الإجتماعية والسياسية التي من شأنها أن تصيب أكبر وأعظم وأقوى بلد في العالم باهتزازات قد يسلم منها بوعي فجائي يطاول مجمل الشعب الأميركي على واقع أحواله الحالية، وقد تؤدي به «الحماقات المرتكبة والمرتقبة»، إلى مزيد من التدهور، والتراجع والإنكفاء إلى مرتبة تتزامل فيها مع مجمل الدول العادية. 
ما يهمنا في هذه المرحلة وهذا النطاق، مواقف وقرارات ترامب بصدد القدس ولواحق قراراته الهوجاء بحقها وبحق الشعوب العربية والإسلامية، وبالتحديد بحق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني من ظلم إختلاق دولة اسرائيل على حساب اقتلاع شعب بأسره والإلقاء به ظلما وعدوانا في أماكن اللجوء والتشرد والمعاناة، إلى هنا وقد أخذنا علما مكرهين بموقف رئيس الولايات المتحدة الذي لم يتأقلم مع موقعه الرئاسي المتميز حتى الآن رغم مرور ما يزيد على السنة على تبوّئه لأعلى منصب رئاسي وقيادي في العالم.
أما الذين أطلعوا منذ يومين على خطاب نائب رئيس جمهورية الولايات المتحدة مايك بنس في الكنيست الإسرائيلي، فقد ترحّموا على مواقف وتصريحات الرئيس المتعثر ترامب، الذي مثّل الولايات المتحدة ورئيسها في البرلمان الإسرائيلي في القدس فأطلق ذلك الخطاب الذي اذا ما سمعه المرء ظن الخطيب المفوه، حاخام إسرائيل الأكبر، الذي رفع بها إلى سماوات عُلا، ذاكراً بما يشبه الخيال المتطرّف، ان الولايات المتحدة قد اختارت الحقيقة على الخيال! ولم يخل خطابه من ظاهرتين: تصفيق حاد من رئيس وأعضاء الحكومة الإسرائيلية ومجلس النواب اليهودي في الكنسيت، وصراخ احتجاجي في قاعة الكنيست وتمزيق لنسخ عن وثيقة ترامب الإعترافية بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويافطات احتجاجية لم توفّر كلاًّ من ترامب وبنس من عميق الإنتقادات الحافلة بالغضب، وقبل ذلك قاطع العرب الفلسطينيون زيارة بنس فخلت الحركة خارج مبنى الكنيست منهم وتفرّغ الكثيرون لهتافات عدائية لتلك الزيارة وأهدافها التي زادها «بنس» طنة ورنة من خلال زيارته بالأمس بكامل تجهيزاته اليهودية المتمثلة بالقلنسوة التي يرتديها غُلاة اليهود والصهاينة وهم يتحسسون بيدهم اليمنى الحائط البكائي المذكور، من دون أن نغفل تلك الصفعة الجديدة التي تلقتها الولايات المتحدة من خلال موقف دول الاتحاد الأوروبي (ثمانية وعشرين دولة) التي احتضنت مواقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس معلنة عن اصرارها على استمرار عملية السلام والالتزام الحازم لدول الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين، وبذلك تتوالى صفعات المجتمع الدولي للولايات المتحدة الأميركية في أهم المحافل متمثلة بمجلس الأمن والأمم المتحدة حيث وجهت إليها، قبل أيام صفعات هامة من خلال اجتماع دول الإتحاد الأوروبي في بروكسل، وقراراته بصدد القدس وحل الدولتين. 
ومرّة جديدة نتوجه بالتساؤل إلى دولنا ومجتمعنا العربي: أين الحراك العربي والإنتفاضة العربية في وجه من يعتبر إسرائيل حقيقة والقدس العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية خيال!! لقد تفوّق بنس على معلّمه ترامب وعلى أمثاله من غلاة الصهيونيين في الولايات المتحدة، فرفع إسرائيل إلى مستوى الملائكة والأقداس المحلّقين في أجواء ديمقراطية سليمة من أية شائبة، ووضع العرب والفلسطينيين والأديان السماوية، الإسلام والمسيحية، في المواقع الأخيرة في هذه الدنيا الفانية، وصولا إلى ما تبقى من الكرامات العربية، المبعثرة في هذه البقعة من العالم، الأمر الذي يؤكد على أن أمثال بنس وترامب، هما مثالان للأعداء الحقيقين للأمة العربية الذين يحاولون فرض حلّ مصنّع للقضية الفلسطينية، على هواهم الكامل، وما على الفلسطيني إلاّ الرضوخ للمشيئة «الإلهية» العليا التي فصلها لنا بنس وترامب وتصدى لها العالم بأسره حاصرين الحل المطروح بوجهة فؤادها واحد أحد: إلغاء فلسطين والفلسطينيين ومعهم قدس العرب والمسيحيين من خارطة الوجود في مقابل مزيد من الضحك على ذقون العرب جميعا، دولا ومواقع استراتيجية وثروات على مدّ عينك والنظر. 


daouknet@idm.net.lb