بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الثاني 2018 12:10ص الحسابات التركية الإيرانية والبيدر السوري

حجم الخط
تطوران نوعيّان قد يساهمان في تفسير ما ستؤول إليه التطورات الميدانية في سوريا تحت سقف الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي. ريكس تيلرسون كشف أنّ لبلاده في سوريا خمسة أهداف، على رأسها إنهاء نفوذ إيران والتوصل إلى حلّ سياسي، برعاية الأمم المتّحدة على أساس القرار 2254 ، يؤدي إلى رحيل الرئيس بشار الأسد. 
التطور الأول عبّر عنه الإنكفاء الإيراني عن كلّ المجريّات الميدانية في سوريا. بدا الحضور الإيراني في غوطة دمشق وفي إدلب شبيهاً بالإنتظار في الصفوف الخلفية لتلقف ما يمكن أن تسمح به القوة الروسية الغاشمة التي انتقلت في لحظة فراغ مدروسة من كواليس المسرح السوري إلى صدارة الميدان وألغت كافة الأدوار. الإرهاب في سوريا، الذي طالما شكّل العامود الفقري للتّدخل الإيراني في سوريا، أعلن نهايته الرئيس الروسي قاطعاً الطريق على أي مبرّر لوجود عسكري غير سوري في الميدان. المبرّر الآخر المتمثّل بدعم النظام سقط بدوره أيضاً بعد أن أصبح معروفاً أن إكسير الحياة هو ما تقدّمه موسكو للأسد وليس ما تتذرع به طهران. المبررات الإيرانية للحفاظ على نظام الأسد بما إكتنفت من مفردات الممانعة والمقاومة أسقطتها للأسف ضربات العدو الإسرائيلي على أكثر من موقع لحزب الله والحرس الثوري الإيراني والجيش السوري دون حصول أي ردّ خارج الرتابة اللفظيّة.
تراجع  الطموح الإيراني العابر للعواصم ليقتصر على المطالبة بدور استثماري، عبّرت عنه صحيفة «قانون» الإيرانية أول من أمس عندما قالت: «العالم يدرك أنّ إيران هي التي تحملت تكلفة بقاء الأسد في رئاسة سوريا، ودفعنا ثمناً باهظاً لذلك، ولكن اليوم يبدو أنّه مع جهودنا وتضحياتنا، ستكون حصتنا لا شيء بسبب إتفاقه مع الروس حول تسليم ملف إعادة إعمار سوريا للروس بدلاً من إيران»، معتبرةً أنّ من حق إيران أن تستولي، ولو بالقوة، على ما تسميه حصتها من الكعكة السورية «. سبق ذلك بأيام قليلة ما أورده موقع «تابناك» المقرّب من المرشد الإيراني، وما يمكن أن يُعتبر هجوماً غير مسبوق على روسيا، ويعبّر عن خيبة أمل الإيرانيين من سياسة روسيا في سوريا: «وفقاً للإتفاق الذي تم بين الحكومتين الروسية والسورية. فقد تمّ استبعاد إيران والشركات الإيرانية كاملةً من عملية إعادة الإعمار والإستثمار في سوريا». كما استعرض الموقع سلسلة من خيبات الأمل الإيرانية من المواقف الروسية في الأمم المتّحدة وموافقتهم على فرض عقوبات إقتصادية على إيران، وعدم إعطائها أنظمة دفاعية وجلوسهم مع المملكة العربية السعودية وموقفهم المؤيدّ والداعم لها وصولاً الى التذكير بالحرب العراقية الإيرانية والموقف الروسي الداعم لصدام حسين.
التطور الثاني عبّرت عنه عملية غصن الزيتون، التي تعكس القلق التركي والرغبة في العودة الى المشهد الإقليمي. لم تأتِ العملية العسكرية هذه المرة متوافقة مع النسخة الأولى من التنازلات التي قُدّمت في حلب عندما تخلّت تركياعن المدينة والفصائل المعارضة فيها، مقابل سيطرتها على الباب بعد جرابلس وأعزاز. توقّعت تركيا إطلاق يدها في القضاء على الحلم الكردي في شمال سوريا مقابل التغاضي عن تقدّم قوات النظام نحو إدلب واستعادة السيطرة على طريق حمص- حلب. ما جعل الموقف أكثر تعقيداً عزم الولايات المتّحدة على إنشاء جيش جلّه من الكرد في شمال سوريا وشرقها، والمعارضة الأميركية لمعركة عفرين والقول بأنّ عمليات التحالف لا تشمل هذا الجزء من سوريا وفي الوقت عينه عدم وضوح الموقف الروسي وحدود تأييده للعملية.
الطموح التركي بالقضاء على مشروع الإدارة الذاتيّة الكردية يتعرّض لعوامل ترشيق وتقييدات إستبقها الرئيس أردوغان بالقول إنّ الأزمة في عفرين تنتهي بمجرد تأمين بقعة آمنة في المنطقة تسمح بعودة ثلاثة ملايين نازح سوري. وبمعنى آخر تتقلّص عملية غصن الزيتون لتقتصر على تطويق عفرين والسيطرة على بعض القرى والنواحي المجاورة لها ويتقلّص الطموح التركي الذي بنى عليه اردوغان عقيدته للدخول الى سوريا، ليصبح عبارة عن النجاح في تحقيق منطقة آمنة خالية من المسلحين الأكراد وتحظى بشرعيّة دوليّة. الملاءمة التركية يجب أن تُراعي الحفاظ على علاقات موسكو مع الكرد لإنقاذ مؤتمر سوتشي والرغبة الأميركية في معارضة الحلّ الروسي المنفرد والإبقاء على وجود عسكري في سوريا والسيطرة على الحدود بتعزيز قوات سوريا الديموقراطية.
معركة عفرين تؤسّس لتوازن أميركي  روسي في سوريا سينعكس بالتأكيد على حساب صغار اللاعبين ، خصوصاً إيران وتركيا، مع الإقرار الروسي في أكثر من مناسبة بأنّ لا تسوية في سوريا من دون تفاهم مع واشنطن. أنقرة وطهران اللتان تتشاركان ريّبة التفاهم الأميركي- الروسي ، لم تنجحا في الإفلات من لعبة المصالح الأميركية - الروسية بالرغم من كلّ الأوراق التي امتلكتاها في سوريا . وحده النظام السوري تمكّن من الذهاب في الرهانات الى أبعد الحدود وآثر التخلي عن كلّ العناوين والحلفاء والإرتهان فقط للعبة الكبرى. إيران وتركيا اللتان اعتقدتا يوماً أنّ دمشق أضحت حديقتهما الخلفيّة لم تطابق حساباتهما حساب البيدر السوري .


* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
Twitter: @KMHamade