بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آب 2020 07:23ص السلطة بين نيتشه وطائر الوقواق

حجم الخط
في اليوم الحادي والعشرين على انفجار مرفا بيروت لا نجد أثراً للسلطة التي وعدت اللبنانيين بإنهاء التحقيق وتحديد المسؤوليات في مهلة خمسة أيام، لا نتيجة تذكر ولا قدرة على توجيه أي اتّهام واضح لأي من الموقوفين. طبعاً اللبنانيون اعتادوا النفاق الرسمي وهم في الأصل لم يصدقوا، كذلك لا يفاجئهم إعتقاد كلّ السلطة، من منهم في موقع المسؤولية أو من يقودها من الخلف، إنّ الوقت وانتظار متغيّرات جديدة قد تُنسي اللبنانيين هول الجريمة. 

نسجّل على هذه السلطة أنّه  بالرغم من تعدّد المعلومات والتقارير التي سرّبتها الصحافة الأجنبية، وآخرها الألمانية، عن صفقات نيترات الأمونيوم المصدّرة من إيران إلى لبنان، لم تحرّك السلطات اللبنانية ساكناً لاستيضاح هذه السلطات أو للإستعانة بها للتوسّع بالتحقيق. السلطات الألمانية التي احتضنت حزب الله، هي نفسها بدأت منذ 30 نيسان المنصرم حملة اعتقالات واسعة في صفوف ما كان يسمّى بالجناح السياسي للحزب، بعد مصادرتها كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، ومن ضمنها بضعة أطنان من نيترات الأمونيوم، وأعلنت الحزب بعد ذلك منظّمة إرهابية. 

توقيف 1050 عنصراً من حزب الله كما ورد في الصحف الألمانية، نقلاً عن مصادر إستخباراتية، لا شك إنه قد سمح للسلطات الألمانية بحيازة الكثير من المعلومات حول الأنشطة بين بيروت وطهران وبين بيروت وسائر بلدان انتشار حزب الله. وربما يأخذنا ذلك الى الاستنتاج أنّ الحركة غير الإعتيادية التي ضجّت بها  أروقة الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية والقصر الجمهوري والسراي الحكومي مصدرها تقارير ألمانية وُضعت، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، بتصرف السلطات اللبنانية. وتقاذف المسؤوليات بعد الإنفجار يدلّ أنّ القوة القاهرة التي تدير هذه الدولة هي التي حالت دون الإقتراب مما تبقّى من جبل النيترات ومن ما يحيط به من مخزون عسكري في المنطقة الإقتصادية المحظورة. 

يسجّل لهذه السلطة إجرامها لأنها لم تستدرك كارثة حتميّة الوقوع أدّت لسقوط الآلاف من سكانها بين شهيد وجريح، ويسجلّ لها خنوعها والإصرار على إجراء تحقيق  بين موظفين متورطين أو مقصّرين يبدأ من مدخل المرفأ ويتوقف عند رصيفه ، فيما الحقيقة موجودة ما بعد الرصيف وما قبل مدخل المرفأ. كما يسجلّ لمصادري هذه السلطة لا مبالاتهم وعدم التوقف أمام الجريمة المروّعة في قضاء الكورة التي قد تكون بداية لمسلسل إغتيالات قادم، وعدم قراءة ما تعنيه الإشتباكات في الجنوب والبقاع وسقوط مواطنين من أبناء البلدات المتجاورة على خلفيّة تعليق رايات حزبية ودينية، وما يُستدلّ من كلّ ذلك من مؤشرات إجتماعية وسياسية وخلقيّة تهدد المجتمع بالاقتتال والانهيار والتفكك. 

ونسجّل لهذه السلطة الساقطة بكلّ المعايير، عدم تقييم ما تعنيه المجاهرة الدولية بعدم الثقة بها ووقف المساعدات عبر المؤسسات التابعة لها، والتبعات الدولية المترتبة على عدم تسليم حزب الله سليم عياش للمحكمة الدولية، وتجاهلها لمجتمع يرفضها كلّ يوم وللدروس المستقاة من سقوط حكومتين خلال سبعة أشهر. 

ونسجّل على بقايا السلطة تفاؤلها الدائم في القدرة على إعادة إنتاج نفسها من خلال مساومات ومقايضات هي أقرب الى مساومات بين مرابين منها لأي شأن يمتّ للعمل العام، لا سيما بعد إستقالات ذات دلالة لعدد من النواب في سابقة لم يعرفها لبنان في أسوأ انقساماته، وإعلان أحزاب رئيسية كالقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الكتائب عدم المشاركة بأيّ حكومة تقوم على معادلة حزب الله - باسيل، بعد إنفراط عقد التيار الوطني الحر وانكشافه مسيحياً كأحد ملحقات حزب الله، بالرغم من الموقف المعلن للبطريركية المارونية لتحرير الرئاسة وإنقاذ الأمن الوطني من السلاح المنتشر بين المنازل. 

تشبه السلطة في لبنان طائر الوقواق في الفيلم الأميركي الشهير «طيران فوق عش الوقواق One flew over the cuckoo`s nest» وهو نوع من الطيور المعروفة بسلوكها الإنتهازي والحقير، فهو يغزو أعشاش الطيور الأخرى ويرمي بيضها لكي يضع بيضه كما يقتل فراخ الطيور الأخرى عبر رميها من العش موهماً الطيور بأنه ابنها فتهتم به وتكبره. وقد وجد كاتب الرواية كين كيسي Ken Kesey في هذا التشبيه تجسيداً مثالياً للسلطة والحكومة. ويطبق على تفاؤل السلطة قول نيتشيه «المكان الذي يكثر فيه التفاؤل هو مستشفى للأمراض العقلية».