بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تشرين الثاني 2020 12:02ص العقوبات الأميركية في ظل رئاسة بايدن

حجم الخط
بعد اجتياز مرحلة الانتخابات وإعلان فوز جو بايدن على منافسه دونالد ترامب بدأت عملية العد العكسي لاستلامه مقاليد السلطة في 20 كانون الثاني 2021، وبداية كل ما هو مرتقب من تغيرات كبرى في سياسات الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، من المؤكد بأن هناك فريقاً من الاختصاصيين في السياسة الخارجية سيعمل بجهد كبير ليقدم إلى بايدن خطة عامة، ينطلق منها مستنداً على تجربته الطويلة في الكونغرس وكرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وكنائب للرئيس باراك أوباما لوضع جدول بأولوياته من أجل استعادة دور الولايات المتحدة كالقوة الأعظم في العالم.

يُدرك الرئيس بايدن مدى أهمية معالجة المعضلات الداخلية الضاغطة على الشعب الأميركي، وضرورة التصدّي لها بأسرع وقت ممكن، والتي يأتي في رأسها معالجة جائحة «كوفيد - 19» التي تُهدّد حياة ملايين الأميركيين، كما باتت تُهدّد معظم القطاعات الاقتصادية، يضاف إليها مطلب الطبابة وتأمين الضمان الصحي والتمويل اللازم له، بعد عملية التخريب الممنهجة التي اعتمدها الرئيس ترامب لتفكيكه، انطلاقاً من اعتباره الإنجاز الأبرز الذي حققته الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس أوباما. سيفرض هذا الواقع على الرئيس بايدن وادارته المقبلة التركيز على وضع السياسات اللازمة لمعالجة الأزمات الداخلية الضاغطة والتي شكلت القضايا المحورية التي رفعها أثناء حملته الانتخابية، مع وضع أجندة مبكرة لمعالجة الأزمات التي خلفتها الإدارة السابقة مع عدد من الدول، وفي مقدمها دول الاتحاد الأوروبي والصين، وكندا والمكسيك بالاضافة إلى تخلي الولايات المتحدة عن بعض ادوارها ومسؤولياتها العالمية، وفي مقدمتها اتفاقية المناخ.

لكن، لا بدّ من ان يُدرك الرئيس بايدن بأن ما يتوقعه أكثر مما يقارب من 74 مليون ناخب اميركي اقترعوا لصالحه هو اكثر من  وضع خطة برّاقة وجدول أولويات بالقضايا والحاجات الملحة داخلياً وخارجياً، فهم ينتظرون منه العمل بفعالية على تحقيق ما وعدهم به أثناء الحملة الانتخابية، منطلقاً من تجربته السياسية الطويلة والناجحة، والتي لم يمتلك مثيلاً لها أي رئيس أميركي بعد الرئيس ليندون جونسون، لقد واجه الرؤساء الديمقراطيون مثل كارتر وكلنتون وأوباما تحديات كادت ان تؤدي إلى فشل ذريع للحزب الديمقراطي وللادارة الأميركية، وكان من أبرزها الثورة الإيرانية، وأزمة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران.

كتب جو بايدن في مجلة «فوربن أفيرز» قبل أشهر من انتخابه، مقالاً بعنوان «لماذا يجب أن نقود أميركا من جديد» رأى فيه بأن على الرئيس الأميركي الجديد «ان يتعامل مع العالم كما هو في كانون الثاني 2021، وان يُعيد جمع القطع المبعثرة، وهي مهمة شاقة وصعبة». ان على هذا الرئيس ان ينقذ سمعة أميركا، وان يعيد بناء الثقة بقيادتها، وان يحشد طاقاتها، وطاقات حلفائها بسرعة لمواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهونها، ووعد بايدن بأنه في حال انتخابه، بالعمل فوراً على حماية الديمقراطية الأميركية وتحالفاتها، وان يحمي مستقبل الاقتصاد الأميركي، وبما يؤمن قيادة أميركا للعالم مرّة جديدة دون «ان يكون هناك مكان للخوف».

لن استرسل في توصيف الخطط وتعداد الأولويات التي سيعتمدها بايدن خلال رئاسته من أجل معالجة المشاكل الداخلية من أزمة جائحة كورونا إلى مسائل الهجرة والضمان الصحي أو النهوض الاقتصادي أو الإصلاح الضريبي، ولن اتطرق إلى سياساته لمواجهة الصين أو إصلاح ما خربته إدارة ترامب من علاقات أميركا مع كندا والدول الأوروبية أو إعادة بناء واحياء دور حلف شمالي الأطلسي. بل سأتوقف عند موقفه المميز والهام من تراجع الديمقراطية والحريات في عدد من الدول الأجنبية. رأى بايدن بأن 22 دولة من أصل 41 صنفت حرة ما بين 1985 و2005، قد شهدت تراجعاً ملحوظاً في حمايتها للحريات أو ممارسة الحوكمة الرشيدة خلال السنوات الخمس الماضية. ورأى بايدن أيضاً ان المواطنين من «هونغ كونغ إلى السودان وتشيلي ولبنان يذكروننا بضرورة مساعدتهم على الإصلاح السياسي اللازم للخروج من استشراء آفة الفساد وقمع الحريات والاعتداء على كرامة شعوبهم».

وعد بايدن بأن تنظم الولايات المتحدة خلال السنة الأولى من عهده مؤتمراً دولياً شاملاً حول الديمقراطية، من أجل إحياء القيم وتجديد الأهداف للعالم الحر الذي طالما نادت به وتعهدت أميركا بحمايته، وسيكون الهدف من عقد هذا المؤتمر: تقوية ودعم المؤسسات الدستورية، ومنع تفكيك بعض الدول وإعادة تأهيلها مع التركيز على محاربة الفساد، والحد من الاستبداد والتسلط الذي تمارسه بعض الأنظمة، والدفاع وحماية حقوق الإنسان من ظلم الحكام المتسلطين على شعوبهم. اتوقف هنا لأقول للبنانيين الذين راهنوا على سقوط ترامب في الانتخابات الرئاسية، للاستمرار في ممارساتهم السلطوية وفي اجهاضهم لكل المطالب الإصلاحية التي رفعتها ثورة 17 تشرين أوّل عام 2019، بأن الإدارة الجديدة لن تتوانى، وفق الوعود التي أطلقها الرئيس بايدن، في الضغط عليهم، وفي محاسبتهم، وفرض العقوبات الرادعة ضدهم.

لا بدّ ان تدرك القوى السياسية اللبنانية الغارقة في الفساد بأن عين الرئيس بادين وعيون ادارته سترصدهم، وبأنهم لن يفلتوا من نظام العقوبات الأميركية المستند على قوانين فرضها الكونغرس الأميركي، وبأنها لن تهمل أو تنتهي مفاعليها مع انتهاء ولاية ترامب. ولا بدّ أيضاً من تذكيرهم بأن ذكر لبنان بين الدول الغارقة في الفساد يعني بأن الإدارة الجديدة ستضع في اولوياتها منع انهيار الدولة اللبنانية سواء من سيطرة حزب الله عليها أو عبر ممارساتهم الفاسدة، ومؤامراتهم المستمرة لوأد روح الثورة، وتبديد كل المطالب الإصلاحية التي رفعتها خلال ما يقارب سنة كاملة من الاحتجاج والتظاهر.

لو نظرنا إلى الهوية السياسية لمن طالتهم العقوبات الأميركية حتى الآن لوجودنا فيها رسائل هامة لقيادات الصف الأوّل في لبنان، وهذا ما يؤشر إلى أهمية إنقاذ لبنان من قبل الإدارة الأميركية من هذه الطغمة الحاكمة، كما يؤشر إلى عدم وجود أي سقف لحماية رؤوس من هم في قمّة النفوذ والسلطة. هذا ما تؤكده أيضاً المعلومات المسربة من واشنطن حول إمكانية استهداف عدد إضافي من السياسيين من نفس المستوى ومن أحزاب وتيارات أخرى. ولا بدّ هنا من القول بأن اتهام النائب جبران باسيل بالفساد لا يطاله هو شخصياً فقط، بل يطال معنوياً وسياسياً رئيس الجمهورية شخصياً. وتفترض هذه الرسالة المباشرة الموجهة للرئيس بأن لا يكتفي بطلب الايضاحات حول الأسباب، بل ان يبدأ باتصالات دبلوماسية حقيقية مع «الادارة الجديدة» التي يجري الآن الاعداد لتشكيلها لاستطلاع نواياها ومواقفها المقبلة من أداء العهد والتيار، وبالتالي المسارعة إلى تصحيح المسار الخاطئ، والذي يدفع لبنان نحو «جهنم» وفق توصيف العماد عون شخصياً للمصير الذي ينتظر لبنان واللبنانيين.

يُدرك جميع السياسيين وفي مقدمهم رئيس التيار الوطني الحر بأن نظام العقوبات الأميركية يرتكز على قوانين شرعها الكونغرس، وبأن على الإدارة الأميركية وخصوصاً وزارتي الخزانة والخارجية تنفيذ هذه القوانين، وهذا ما دلت عليه تحركات ومواقف المسؤولين في الخارجية، بالإضافة إلى تصريحات السفيرة الاميركية في بيروت.

من هنا لا بدّ ان يتعظ الجميع ويحاذروا سيف العقوبات المسلط على رقابهم وزن يدركوا بأن الاخطار التي تتهدد العديد منهم لن تزول مع نهاية عهد ترامب. 

في هذا السياق لا بدّ من تذكير قيادات حزب الله بأمرين اساسيين: الأوّل مدى الأهمية والجدية التي ستتعامل بها إدارة بايدن لإنقاذ لبنان سياسياً واقتصادياً، والحفاظ عليه كمثال للتعايش بين الأديان والاعراق من جهة، وكمؤشر للحرية والممارسة الديمقراطية. والثاني، حرص واشنطن على الاستمرار في التصويب وممارسة أقسى أنواع  العقوبات والضغوط ضده لإجباره على الاستسلام وتفكيك جناحه العسكري، المصنف كامتداد لقوات الحرس الثوري.

في النهاية نرى من الضروري تذكير حزب الله والقوى السياسية الأقرب بالشعار الذي رفعه بايدن في حملته الانتخابية بقوله: «من أجل ان نستعيد ثقة العالم، علينا ان نثبت لهم بأن الولايات المتحدة تقول ما تعنيه وتعني ما تقوله».