بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الثاني 2019 12:07ص القمة: مكاسب حافلة بالشوائب

حجم الخط
لعل القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية قد مرّت على أكبر قدر ممكن من الستر والسلامة، حيث أنها انعقدت بحضور ممثلين عن الدول العربية كافة تلبية لقرار ودعوة من جامعة الدول العربية ومع ذلك يسجل اللبنانيون على اخوتهم العرب غياب رؤسائهم عن حضور تلك القمة، وكان حضور الرئيس الموريتاني مشفوعا بواجب تسلّمه رئاسة القمة بعد أربع سنوات من رئيس القمة الحالية الرئيس ميشال عون، كما كان حضور أمير دولة قطر مشفوعا بسببين: أ) اتصال الرئيس عون به والتمني عليه بحضور قمة بيروت، ب) تمرير «جول» قطري من الساحة اللبنانية في شباك الدول العربية المقاطعة والمحاصرة والمناوئة لقطر!
ولكن، تبقى هذه القمة التي اتخذت جملة من القرارات الصائبة والمعدّة بشكل جيد، في مرمى كثير من المآخذ والملاحظات والأحكام المتناقضة والمتناهضة. غياب الرؤساء العرب عن حضور القمة وتتويجها بمعنويات الاهتمام العربي بأقصى مراتبه ودرجاته، فكان هذا الغياب، كائنا ما كانت مبرراته موقفاً عربياً احتجاجياً، وان تفاقمت وتعددت أسباب الاحتجاج بالنسبة لكل بلد عربي على حدة. 
أما حضور أمير قطر لعدة ساعات غادر بعدها بيروت عائدا إلى بلاده، فهو يشكل بهذه الزيارة المجتزأة تخفيفا لأضوائها وتلطيفا للأثر الذي توقعه بعض المسؤولين اللبنانيين من تلك الزيارة، وننقل القلم إلى ما طاول ليبيا بهذا الخصوص من تصرفات مؤسفة أسفرت عن مقاطعتها القمة والامتناع عن المشاركة فيها. إن التذكير المتمادي لسنوات عدة بقضية الإمام المغيّب السيد موسى الصدر هو أمر معهود يؤيده اللبنانيون جميعاً لإيمانهم بأهمية هذه الشخصية الفريدة في تاريخ لبنان، والتي أفلحت في اكتساب إعجاب اللبنانيين وصولا بهم إلى اعتباره قائدا عابرا للطوائف اللبنانية جمعاء، وزعيما وطنيا حاز دون أدنى شك، على تأييدهم وتأييد المبادئ الوطنية الشاملة التي أطلقها في المجتمع اللبناني كله، أما أن يتم حرق علم الثورة الليبية الذي اعتمده الليبيون ورفعوه بعد انتفاضتهم على حكم القذافي وصولا بها إلى قتله، وبعد أن تم استبدال نظامه بنظام جديد يناهضه في مبادئه وتصرفاته إلى أقصى الحدود، وأما التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال مجيء الوفد الليبي إلى لبنان للمشاركة في قمته الاقتصادية، وأما منع الإعلاميين وبعض الشخصيات الليبية الذين حضروا قبيل بدء القمة إلى بيروت وأعادتهم إلى بلادهم دون تمكينهم من النزول إلى بيروت بأمر أمني وإداري، فهو تصرف مؤسف لم يكن في محله على الإطلاق، وكان يقتضي أن يخضع لقرار من الحكومة اللبنانية بأعلى مستوياتها، أما وكل ذلك قد حصل، فهو أمر يسجل في نقاط القمة السوداء، بل في نقاط عدم اللياقة وسوء التعامل والتصرف مع الأخوة العرب خاصة وأن عهد القذافي قد أصبح في خبر كان، وأن ليبيا حاليا تمر في ظروف من الاحتراب الداخلي الذي يشغلها عن أمور وجودها وسلامة أوضاعها، ويكاد ألاّ يسمح لها بأن تمارس الحدّ الأدنى من الحياة الطبيعية. 
وأولئك الذين أمسكوا بزمام الكلام والاحتجاج واتخاذ المواقف الفارضة ومنهم من أصرّوا على دعوة الحكومة السورية للمشاركة في القمة، فقد تجاهلوا أن هذه الدعوة موجهة أصلا من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، كما تجاهلوا أن من شأن دعوتها من قبل الحكومة اللبنانية خلق إشكالات عربية وداخلية كان من شأنها تفجير القمة، ووضع المزيد من العراقيل التي واكبتها ورافقتها حتى يوم انعقادها، دون أن نغفل أن كل هذه الإشكالات التي تم وضعها وإطلاقها قبيل انعقاد القمة، كان الهدف منه إسقاطها أو تأجيلها أو خلق أقصى ما يمكن من المتاعب والمطبات في وجه انعقادها ومتابعة مسيرتها، وقد أفلحوا في تحقيق كل ذلك ولكن بحدود، وانعقدت القمة رغم كل المحاولات الكابحة والمزالق التي افتعلت لها، تماما كما هي الحال بالنسبة لتشكيل الحكومة، حيث تباشر قريبا شهرها التعطيلي التاسع، والبلاد متروكة للقضاء والقدر، ولما يمكن أن تحدثه النوايا السيئة والممارسات الفارضة من نتائج، لئن كان بعضها يحظى بتفهم جزء كبير من اللبنانيين، كما هو الأمر بالنسبة للاعتراض على إصرار وزير الخارجية على الثلث المعطل توطئة لغايات عديدة أهمها شخصي وشخصاني، من خلال السعي لتحقيق مطامحه بالوصول إلى سدّة الرئاسة بعد أربع سنوات، وهو طموح ذو نفس طويل، بينما يقف في وجهه منافسون وطامحون آخرون لا يقلون عنه شدّة وحدة في الطموح، وطولا في النّفَس، ولنا في الحوار الحاد الذي جرى بينه وبين الوزير فرنجية في الصرح البطريركي خلال انعقاد القمة المارونية، خير مثال ودليل. وكما هو الحال أيضا في المواقف التي يتخذها سيادته متجاوزا فيها الحكومة ورئيسها، ومعتبرا أن «رتبته» كمرشح للرئاسة بعد أربع سنوات يسمح له بتجاوز كل المقامات وكل الاعتبارات! 
وبعد: القمة قد انقضت، ولا بد من الإقرار بأن مجرد عقدها قد شكل للبنان بعضا من المكاسب، وبينها مكسب معنوي للعهد الذي طاولته في المرحلة الأخيرة، جملة من الانتقادات المشكّكة في قوّة «عهده القوي»، ولكنها وكما ذكرنا، كانت مكاسب حافلة بالشوائب والمآخذ. وفي مطلق الأحوال، لنضع هذه القمة خلفنا ولننظر إلى ما هو آت بعدها: الحكومة ما زالت على حالها من الجمود والتعطيل المفرط، وهناك من يقول لنا أن كثيرا من المساعي المتجدّدة من أكثر من جهة وأكثر من توجه، وهي تسعى بزخم أشد إلى التوصل لذلك التأليف المتعثر، فلنأمل ذلك، وإن كانت تجارب الماضي القريب، تمنعنا من ولوج أبواب الأمل والتفاؤل بشيء من الارتياح. 
daouknet@idm.net.lb