بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 نيسان 2021 12:02ص بايدن... والثقافة التفاوضية

حجم الخط
تتهيب الدول الكبرى اليوم التالي لما بعد القضاء على جائحة كورونا والدخول في مواجهة تحديات الاثار المدمرة على اقتصاداتها ومجتمعاتها وقد بلغت كلفتها اضعاف اضعاف ازمات الكساد المأساوية والحروب العالمية التدميرية، وتعرف تلك الدول بانها دخلت في مرحلة تحولات تاريخية ستحدث تغييرا جذريا في الاوليات والادوات والحلفاء والشركاء، وانها امام مرحلة تأسيسية لنظام عالمي جديد قائم على المسؤولية المشتركة والتنافسية، وربما تكون الولايات المتحدة عبر ادارتها الجديدة في مقدمة الدول التي تحاول بلورة ذلك التحول وقد استطاعت بعد اسابيع قليلة من تولي الرئيس جوزف بايدن ان تأخذ العالم من التصادم والتباعد الى الشروع في بلورة ثقافة تفاوضية ودبلوماسية قوية.

شهدت واشنطن عشية التصديق على انتخاب الرئيس بايدن في السادس من كانون الثاني مظاهر عنف وفوضى هزت صورة الدولة الديموقراطية القوية داخل الولايات المتحدة وخارجها، واحدثت الكثير من القلق والريبة مما ينتظر نظام العالم وقيمه الديموقراطية من مخاطر وتحديات، وسقطت لساعات معايير دول العالم الاول والعالم الثاني والثالث وساد الكثير من القلق على فكرة الدولة الديموقراطية لولا تدارك النخبة الاميركية لخطورة انهيار صورة الدولة الاميركية والاسراع بعودة اعضاء الكونغرس الفورية والقيام بواجباتهم الدستورية بالتصديق على انتخاب الرئيس بايدن رئيسا للولايات المتحدة.

اظهرت الادارة الاميركية الجديدة منذ اللحظة الاولى لتوليها مهامها ادراك عميق لطبيعة ما يعانية العالم من اعباء ثقيلة وعطالة وارتباك نتيجة سقوط الهيبة امام المواطنين والعالم نتيجة العجز العلمي والمعرفي والوقائي الذي كشفت عنه جائحة كورونا واظهرت الادارة الاميركية الجديدة قدرتها على احداث توجه استراتيجي جديد يقوم على تكريس الثقافة التفاوضية وتقديم توجهات ودراسات حوارية وموضوعية في الامن والاقتصاد والمناخ والطاقة والقيم الديموقراطية والتنافسية، واطلقت عجلة الثقافة التفاوضية في الداخل والخارج. 

بدأت العملية التفاوضية الاميركية اولا مع الحلفاء الاوروبيين وحلف الناتو وتركيا ثم مع الشركاء في الهند واليابان واسترالية وغيرها ثم مع الصين المنافس الاكبر، ومع الامم المتحدة لتفعيل العملية التفاوضية حول اليمن، ثم السعي لمتابعة المفاوضات المصرية السودانية الاثيوبية حول سد النهضة، ثم الاعلان عن اعادة تجديد القواعد التفاوضية حول القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين، والشروع في العملية التفاوضية مع الخمسة زائد واحد وايران والجولة الاولى والثانية في فيينا، وكذلك السرعة باحتواء الظروف المقلقة في الاردن بعد توقيع الاتفاقية العسكرية، ثم مواكبة الدبلوماسية الروسية حول سوريا والتحضير لعملية تفاوضية داخلية وخارجية، والنشاط التفاوضي مع روسيا حول تطورات اوكرانيا عبر الاتصال الهاتفي بين بايدن وبوتين والدعوة الى قمة ثنائية وتأكيد العقوبات على روسيا المتعلقة بالانتهاكات السيادية، والشروع بالتفاوض المناخي مع الصين عبر الوزير السابق جون كيري، مع الاخذ بعين الاعتبار على كثافة العمليات التفاوضية السرية وغير المرئية. 

 جاء اعلان الرئيس الاميركي الانسحاب العسكري مع دول الناتو من افغانستان وانهاء حرب دامت لعشرين عاما منذ تفجيرات نيويورك الارهابية في 11/9/2001 والتي بدأت باحتلال أفغانستان ثم العراق والانتقام من مجتمعات العرب الافغان عبر الفوضى الخلاقة وويلاتها ودمارها والتي خلفت ملايين المهجرين في خيم النزوح واللجوء ومئات الاف القتلى والجرحى ومع اعلان الرئيس بايدن ان الانسحاب سيبدأ في الاول من ايار القادم ويستمر لغاية 11/9/2021، مما يجعل من هذه المدة الزمنية فرصة ذهبية لدى كافة المجتمعات والدول من اجل تعميق الثقافة التفاوضية الداخلية والخارجية والمساهمة في صناعة شراكة حقيقية في النظام العالمي الجديد بالتزامن مع خروج البشرية من متاهات جائحة كورونا وتداعياتها على اقتصادات ومجتمعات الدول الكبرى والصغرى وما ستحدثه من تغيير في الاولويات والاتجاهات السياسية والقيادية المنتظرة في المنطقة والعالم.

 (مع الاعتذار من المبعوث التفاوضي الاميركي الى لبنان ديفيد هيل لما شاهده من جهل وحماقة تفاوضية لبنانية في الداخل والخارج)

ahmadghoz@hotmail.com