بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تشرين الثاني 2023 05:53م (بحبك يا لبنان) الاستقلال ... وآخر الكلمات

حجم الخط
كيف اكتب عن الاستقلال والكلمات اضعف من المشاهدات، والكلمات لا تعبر عن المشاعر والمعاني والغضب والالم والامنيات، والكلمات لا تجد طريقها بحرية وانسياب وفي  تجاذب دائم بين الاخر والذات، والكلمات لم تعد شموعا تقاوم الظلام ولا تحاكي آلاف الاطفال من الضحايا الابرياء، والكلمات اصبحت اداة الهروب من ابسط مظاهر التعبير عن الوجع والالم والسخط واحتقار الذات واخفاء الخوف من استعمار الذكاء الصناعي المجرد من الاحساس، وعندما لا تكون الكتابة عملية بحث مستدام عن الافاق والامال والتطلعات عندها يكون التوقف عن الكتابة آخر ما تبقى من الانسان في الانسان.
            كيف أحتفل بالاستقلال والمشاهدات على مدى الدقائق والساعات شديدة المرارة والسواد، والموت والدمار يجتاح الوعي والوجدان، ايام طويلة ونحن نهرب من التعبير عن الخيبة والخجل التي تحاصر الوجود والاوطان والهويات، كثيرة هي التحديات الفردية والاجتماعية والوطنية والدينية والمدنية والاخلاقية، وليس هناك اصعب من ان تدّعي الحكمة والبراعة فيما انت ضعيف جبان، عشرات السنوات وربما مئات السنوات هي موروثات الاستتباع والاستبداد والاجيال تتوارث اعباء الذل والتحقير والتهريج والتحايل على النفس من اجل ارضاء القهر والاحتلال، والهروب من طرح الاسئلة البسيطة و ما نعرفه من اجابات.
           انا لبناني متسامح مع كل المواطنين والمكونات والرفاق والاصدقاء والجيران من ابناء لبنان، وانا لبناني واعرف كل جرائم الشغور والتعطيل والفساد وجرائم الحرب والاغتيالات وتصريف الاعمال، واعرف كيف تستباح الخصوصيات الوطنية وتباع في اسواق رواد ادارة الازمات، وانا لبناني ولا زلت احلم بعد سبعة عقود من الشقاء ان احتفل بعيد الاستقلال، واحلم في ان اشاهد من جديد استعراض الجيش الوطني في شوارع بيروت ويحتضنه كل الشعب اللبناني من على اليمين واليسار وبعيداً عن الهويات الانشقاقية الطائفية والمذهبية والمناطقية والتي جعلت من الهوية الوطنية اشلاء اشلاء، وانا لبناني ولا زلت ابحث  عن اعلان الاستقلال في  لبنان.
            يأتي عيد الاستقلال بعد اسابيع من المتابعات الموجعة حيث تتكسر النصال على النصال، ونحن نشاهد التفاهات والادعاءات، وكيف اننا دخلنا في حرب منذ عشرات الايام ولا نزال نتوهم اننا نعيش في أستقرار وأمان، والمكونات السلطوية الطائفية لا تزال تحاول ان تحقق المغانم والمكاسب من الحرائق والمحاور على حساب شعب لبنان، انها ايام بالغة المرارة والقسوة مع تعاظم موجات الفراق بين اللبنانيين وجعل التلاقي من المستحيلات، حيث يتباهى صناع الشغور والتعطيل وتصريف الاعمال والإدارات البتراء وتدمير الدولة والنظام عبر انتخابات  برلمان الاوهام .
            نحتفل بعيد الاستقلال و لبنان في حالة من الغيبوبة والاستلاب، وما يحدث الان حدث قبل خمسة وسبعين عاما بعد النكبة الاولى عام ٤٨ وما تبعها من تغييرات وتحولات فردية وجماعية وقومية ووطنية وطائفية ومذهبية، والنكبة الاولى انتجت الانقلابات والثورات والاحزاب واسقطت ملوكا ورؤساء في مصر وبيروت ودمشق وبغداد وانهت الأحلاف والاستعمار القديم وانتجت تحالفات واستعمار جديد، وجددت الاستتباع والتوهم بالمواثيق والقرارات، وتجرعنا خمسة وسبعين عاما من التيه والضياع والنزاعات والنكسات وعدم الاستقرار والحروب الاهلية وتفكيك المجتمعات والكيانات وتمزيق الهويات الوطنية والثقافية والمدنية والانسانية في لبنان، وبمناسبة النكبة الثانية واستعمار الذكاء الصناعي وكتابة آخر الكلمات وعيد الاستقلال في ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٣ ، احب ان اقول بكل صدق وثبات وايمان  (بحبك يالبنان ) ... وحفظ الله لبنان.