بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آب 2019 12:55ص بعد السودان: ماذا عن بقية الحروب العربية

حجم الخط
أما والأوضاع في السودان قد تطورت إيجابيا إلى هذا الحد المذهل الذي أطلق هذا البلد الشقيق من خلال ثورته الشعبية الشاملة والفاعلة، إلى موقع النجاح والفوز الكامل، حيث تم التوقيع على ذلك الإتفاق-الحل ما بين القيادة العسكرية السودانية وحركة الحرية والتغيير التي رفعت منذ انطلاقها شعار الدولة المدنية وتمكنت من الوصول به إلى موقع التحقق المشرّف بعد أن تجاوز جملةً من العوائق والمتاريس المناهضة، وبعد أن جوبهت انتفاضة الشعب في أكثر من موقع بنيران السلطة العسكرية التي أوقعت عشرات الشهداء من خلال بعض خلاياها المنتمية إلى بقايا النظام الدكتاتوري السابق.

نجحت الثورة في السودان بمؤازرة ووساطة أثيوبية - إفريقية، تم توجيه الشكر والإمتنان إليها من أركان السلطة السودانية الجديدة، ولم يشر أحد إلى وساطة عربية كان لها دورها في تحقيق النصر السوداني ولم نسمع بوساطة عربية جدّية وذات أثر فاعل، إلاّ من خلال برقيات وتصريحات التهنئة التي أطلقها مسؤولون عرب بُعيد تحقق هذا النجاح المبارك، الأمر الذي يدل على مدى الإنحدارات والإنهيارات العربية على أكثر من صعيد. نقول ذلك مؤكدين على أهمية ما حصل، خاصة وأن هناك حركة شعبية مماثلة نشأت في الجزائر وأحرزت بعض النجاح والتقدم، إلاّ انها لم تصل حتى الآن إلى نهاية مماثلة في نجاحها الحاسم في السودان رغم بعض الخطوات الإيجابية التي حققتها السلطة العسكرية في هذا الصدد، حيث تمكنت من إطفاء جذوة النظام المتحكم السابق الذي أطلقت سلطته العسكرية على قياداته تسمية «العصابة» والشعب الجزائري ما زال مثابرا على تظاهراته وتحركاته التغييرية، وأملُهُ ينصبُّ على الوصول بالجزائر إلى حالة مماثلة لما وصلت إليه السودان وركّزت من خلاله أصول وجذور الدولة المدنية التي حلم بها السودانيون ويحلم بها الجزائريون منذ عقود زمنية عديدة.

مع الأسف الأحوال ما زالت تفور وتغلي في عديد من البلدان العربية وبشكل خاص في كل من سوريا والعراق واليمن، وخاصة في ليبيا الشقيقة الغاطسة كليّا في حرب داخلية مدمرة إنقسمت فيها إلى جبهتين وإلى دولتين، وكل منهما تسانده قوى مرتبطة بعلاقات إقليمية ودولية، وقد سلّم بعضها أمره إلى جهات متطرفة ذات انتماءات مشبوهبة وإلى دول بعيدة عن الجغرافيا الليبية بعدا شاسعا وهي تذكي القتالات المثقلة بتدخلها العسكري والمالي وبتزويدها فئات معينة بسلاح قتالي، دخل إلى ساحات القتال بما أجّجها وأشعل لهيبها ووضع ليبيا والمنطقة العربية كلها على ضفاف الأخطار الفادحة.

أما سوريا فأوضاعها المعروفة والمكشوفة من خلال تحكّم الوجود الروسي والإيراني بها فضلا عن التدخل الأميركي والتركي الموصوف بما يعرّضها إلى أخطار الإقتسام والتشتت إلى جملة من دويلات وشعوب ومناطق نفوذ مبعثرة الأثر والفاعلية، وقد باتت دولها ونظامها في وضع احتاج فيه إلى لملمة سلطاته وقواه المتلاشية، وتسليم شؤونه وشجونه إلى إرادة روسية طاغية فضلا عن تحكّم إيراني وتدخل ميليشياوي متعدد الجنسيات، يمسك الحرس الثوري بزمامه ويتحكم بقراراه وأفعاله وافتعالاته.

وها هو العراق يحاول أن يثبت ذاته واستقلاليته وابتعاده عن التحكّمات الإقليمية المتمثلة خاصة بإيران والميليشيات المتعددة التابعة لها والتي باتت تلعب دورا أساسيا في التحكم بدفّة القيادة الإيرانية وفي وضع اليد على ثروات البلاد حيثما تسنت لها هذه القدرة وهذا الطغيان، والتي ما فتئت تمارس تحكّما مذهبيا أدّى إلى تشريد ملايين العراقيين ووضع اليد على ممتلكاتهم وأرزاقهم ومناطقهم المختلفة، الأمر الذي بات يحفر في أجيال اليوم والغد، جراحا وأحقادا ونتائج ظلامية الأثر والطابع. والوضع العراقي ما زال متأرجحا بين دولة تحاول النهوض وإثبات الوجود، ومحاولات مؤسفة لجرّها إلى مواقع الخراب والدمار، والخضوع إلى مشيئة جوار تملؤه دوافع الأحلام الإمبراطورية.

اما اليمن، ووضعها مع الحوثيين المدعومين من إيران والحرس الثوري والذين ما زلنا نجهل حتى الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة، تقف بالفعل بمواجهة استفراسهم في الحركة القتالية والإستيلائية وفي التمدد بين المدن والمناطق اليمنية وفي تطوير وضعهم التسلحي بالعون الإيراني المفتوح، ها هي الأمم المتحدة من خلال «مندوبها السامي» في اليمن تمارس سياسة منحازة إلى الحوثيين إلى الحد الذي يدفع بهم إلى كل هذا التمادي في التحكم والتصرف الإجرامي حيث لا يداخلنا أي ظن بأن الممارسات الحوثية والوضع في اليمن وفقا لما هو عليه حاليا، يمكن أن يقوم ويدوم لولا إرادة أميركية خفية تمارس بالنسبة للوضع اليمني سياسة اعتمدها الرئيس ترامب والدولة الأميركية «العميقة» في كل تصرفات الولايات المتحدة الخارجية: تدفع الشعوب ثمن حمايتها وامتصاص قدراتها المادية من خلال جملة من الإبتزازات الظاهرة والمواربة والخفية، وفي طليعتها تجارة الأسلحة، شديدة الدسم والاستثمار الفاقع.

تحية إلى شعب السودان الذي أثبت بما حققه مؤخرا من انجازات قاطعة وملموسة، أنه شعب حي، وطائل وقادر بما يتمتع به من قدرة ووعي وتصميم. ونأمل أن تكون الجزائر، الدولة اللاحقة بهذا النهج التغييري وبنتائجه المشرفة، ويا بقية الشعوب العربية البائسة بمشاكلها وغرقها بدماء أبنائها، متى تستيقظ شعوبا ودولا ومؤسسات، من حالات الإغماء المتمادية. وإذا كان لبنان بمنأى مؤقت عن التأثر الشديد بما أسلفنا من أوضاع، فالتخوف عميق الوجود والأثر من أن تنقلب أوضاع فوق أوضاع، وأن يضيع لبنان –لا سمح الله- في غمرة التناقضات والمواجهات والمجابهات الجامحة سواء في الداخل اللبناني أم في خارجه، ولنا في تقلبات العالم العربي وأحواله المضطربة، وفي التطورات السلبية الأخيرة في الحقل الداخلي اللبناني خير دافع إلى الحذر والتحسب الشديد.

المحامي محمد أمين الداعوق