بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 نيسان 2019 12:04ص تحويل الربيع العربي إلى «جهنم العربي»

حجم الخط
كنت أتحضّر لكتابة افتتاحيتي لهذا الأسبوع حول إقرار مجلس الوزراء، يوم أول أمس، خطة إصلاح قطاع الكهرباء، بعد أن كنت قد اعتبرتها مؤشراً على مدى مصداقية العهد والحكومة الأسبوع الفائت. وبالفعل لا يمكنني بالمناسبة سوى تقديم التهنئة والثناء لرئيس الحكومة سعد الحريري على الجهود التي بذلها في اجتماعات اللجنة التي ترأسها لتذليل جميع العقبات التي كانت تعترض مسار إقرار الخطة في مجلس الوزراء، عندما عرضت بصيغتها الأساسية في جلسة سابقة. لكن رأيتني مشدوداً للتعليق على تصريح صدر عن الرئيس ميشال عون في معرض مقابلة مع «تلفزيون تونس»، حيث تحدث عن ضرورة وقف الحروب الدائرة في بعض الدول العربية، مشيراً إلى أن ما سمي بـ «الربيع العربي» هو «الجهنم العربي»، حيث غزا الإرهاب المنطقة، وهي لا تزال تعاني من «تداعيات هذا الإرهاب».
في الواقع لا يمكن مناقشة الرئيس عون في التداعيات التي تسببت بها انتفاضات «الربيع العربي»، وفي ما نتج عنها عن أعمال تدمير وقتل وتهجير في كل من سوريا وليبيا واليمن، ولكن يجب أن لا نغفل الأسباب التي دعت لتفجّر المجتمعات العربية ولانتفاضة الشعوب ضد الأنظمة التي تحكم بالحديد والنار منذ عقود عديدة. كما أنه لا يمكن التغاضي عن استراتيجية المواجهة التي لجأت إليها هذه الأنظمة للسيطرة على الحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح، أو عن مستوى العنف الذي استعملته، بالإضافة إلى تشجيعها ومهادنتها للجماعات الإرهابية والمتطرفة، لتبرير سياسة القتل والدمار، بحجة أنها تحارب الإرهاب، والذي يشكل خطراً شاملاً، يتعدى الحدود ليصل إلى كل القارات.
لا بدّ في هذا السياق من لفت نظر الرئيس عون بأن أحداث «الربيع العربي» لم تقتصر فقط على أربع دول، بل هي مستمرة لتطاول دولاً عربية أخرى، وأن ما تشهده الجزائر والسودان هذه الأيام، ليس سوى مشهداً متجدداً لانتفاضات الربيع العربي، ولكن مع بوادر أمل في الاستفادة من دورس الحرب المدمرة التي شهدتها بعض المجتمعات التي سبقتها في هذه التجربة. هذا مع توقع العديد من الباحثين ومراكز الدراسات لإمكانية توسع الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير إلى دول أخرى، مع إمكانية تجدد الحراك الشعبي في بعض الدول التي أحبطت فيها الثورة بعملية التفافية، نفذتها القوى المتجذرة في الأنظمة القديمة.
يستدعي توصيف الرئيس عون «الربيع العربي» بـ «الجهنم العربي» أن نسأله عن تقييمه للأنظمة العربية القائمة السابقة، والتي وصلت إلى الحكم نتيجة حروب وانقلابات عسكرية، وأزمات سياسية داخلية، وتغييب كامل لأية مبادرات اقتصادية واجتماعية تلبي حاجات الشعوب بحدودها الدنيا. كان هؤلاء الحكام في معظمهم من العسكريين، الذين مارسوا الحكم الأوتوقراطي المستبد، ومنعوا بالتالي أية إمكانية للتحول في السلطة نحو رحاب الديموقراطية التعددية، التي كان يؤمل أن تحقق العدالة الاجتماعية، والنمو الاقتصادي، وتحترم الحريات وحقوق الإنسان.
وهنا نجد أنه لا بدّ أن نسأل الرئيس عون هل شكلت هذه الأنظمة المستبدة التي كانت قائمة قبل انتفاضات «الربيع العربي» الكيانات الضامنة لتحقيق «النعيم العربي» الذي طالما طمحت الشعوب العربية لتحقيقه؟
نعم فشلت الانتفاضات العربية بعد قلبها للحكام الذين استمروا في السلطة لعقود في إقامة أحكام بديلة قادرة على تحقيق الاستقرار (باستثناء تونس)، وهكذا ضاعت ثورة الجماهير وانحرفت عن مسارها، لتستغل من قبل الجيوش أو لتقع ضحية الصراعات الطائفية والأمنية والتجاذب السياسي بين الجماعات الدينية والقوى الليبرالية. ويمكن أن نعزو ذلك إلى فشل الأحزاب والديناميات السياسية أو غيابها الكلي، في تنظيم الحراك الشعبي وتوجيهه لإقامة سلطات بديلة مكان السلطات المنهارة. وكان المثال الكامل لهذا الفشل في مصر حيث عاد الجيش إلى واجهة السلطة، بعد غياب قصير.
على صعيد آخر لا يمكن ربط انتشار الإرهاب بانتفاضات «الربيع العربي»، لأن استحضار «القاعدة» إلى المنطقة، قد جاء بهدف شن حرب طويلة ومكلفة ضد القوات الأميركية التي احتلت العراق، وقد ساهمت في تشجيع نشوء وتقوية ودعم «تنظيم القاعدة في العراق» كل من سوريا وإيران. أما لجهة إنشاء تنظيمي «النصرة» و«داعش» فلم يكن لقيادة الثورة السورية أي دور فيها، بل هي حدثت على حسابها، وخدمت بالتالي مصلحة النظامين السوري والإيراني، حيث كان الأول يفتش عن ذريعة لنعت الثورة بالارهاب، في الوقت الذي سعت فيه إيران لاستعمال الإرهاب كحجة لتثبيت وجودها ونفوذها في كل من العراق وسوريا. ولا بدّ هنا من التذكير بالهروب المدبّر لأكثر من 1500 إرهابي من سجون العراق وأشهرها سجني التاجي وأبو غريب، وهذا ما فتح الباب لقيام النصرة وداعش واحتلاهما لمناطق واسعة في سوريا والعراق.
تدعو الحكمة والواقعية السياسية عدم تحميل الانتفاضات الشعبية للربيع العربي مسؤولية كل ما حصل من تداعيات سياسية ومن أعمال قتل وتهجير وتدمير، بل النظر إلى ذلك كنتيجة طبيعية لوجود الأنظمة المستبدة لعقود عديدة في السلطة، ولاستراتيجية العنف وتشجيع الإرهاب التي اعتمدتها هذه الأنظمة للدفاع عن بقائها واستمراريتها.
إن الانتفاضات العربية هي مرشحة للاستمرار، وقد تتجدد في بعض الدول، ولا يمكن الحكم على نتائجها في المستقبل المنظور، وذلك قياساً على الثورة الفرنسية، والتي لم تؤت ثمارها إلا بعد ما يقارب ثمانية عقود.