بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الثاني 2020 06:22ص تشكيل الحكومة والعبث على حافة الهاوية

حجم الخط
إن التسليم بأن انتخابات الرئاسة الأميركية وتشكيل الحكومة في لبنان هما استحقاقان متقابلان ومترابطان، وأنّ حكومة الدولة الأكثر هشاشة وانهياراً في المنطقة أصبحت على قدر من الندّية، لتصبح متغيراً هاماً على أجندة الدولة التي تدير النظام العالمي هو استرسال في السذاجة، إن لم نقل أكثر من ذلك. بالرغم من ذلك، يتصرف حزب الله بكثير من الخبث والتقية، عندما يحاول الإيحاء بترتيب أجندته وفقاً لوتيرة ارتفاع وانخفاض النقاط لصالح دونالد ترامب أو جو بايدن، ويبني على ذلك مع حليفة التيار الوطني الحر الموقف من تشكيل الحكومة، ومستوى المشاركة فيها. يتمسك العقل السياسي المتحكّم بلبنان، بانفصاله عن الوطن والمواطن والتحاقه بالخارج بالرغم مما أدّت إليه هذه الثقافة السياسية. 

يدرك حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون أنّ مرحلة الترسيم التي دخلها لبنان، هي أحد عناوين السياسة الخارجية الاميركية التي لا مجال للعودة عنها، وهي في الوقت عينه أحد مؤشرات النجاح الأميركي في فصل ملف السلام في الشرق الاوسط، بمباركة عربية واسعة، عن الملفات الخارجية الاخرى، التي لم تتضح معالمها في سوريا واليمن وليبيا. ويدرك الفريقان كذلك أنّ إيران ليست ناخباً في معركة الرئاسة الاميركية، وأنّ موقف بايدن من الملف النووي الإيراني لا يعني مطلقاً وقف مسلسل العقوبات المتصاعد على إيران، والسماح لها باستباحة المنطقة. ما تعنيه التقية والخبث في مقاربة تشكيل الحكومة من قبل الرئاسة وحزب الله، ليس سوى فصلاً من فصول العبث المتكرّر للإستيلاء على السلطة في لبنان، بما لا يزعج الإدارة الأميركية ويحافظ على الإلتزام الصارم بإملاءاتها.

لقد نجح الرئيس عون وحزب الله معاً، خلال السنوات المنصرمة من الولاية، في الإجهاز على موقع رئاسة الحكومة، من خلال خديعتي التسوية والانتخابات النيابية، بما استجاب لرفض الرئيس عون لاتفاق الطائف وتصويبه على العودة الى دستور الجمهورية الأولى عام 1926، وبما حقق لحزب الله تغطية سلاحه وتبعيته لطهران.  في الاستثمار الدستوري يستكمل الرئيس عون مغامرته من خلال مشروع القانون الذي تقدّم به نواب كتلته لتعديل الفقرة (2) من المادة (64) من الدستور، لإلزام رئيس الحكومة بالتشكيل في مهلة ثلاثين يوماً كحد اقصى من تاريخ التكليف، وإلا اعتبر رئيس الحكومة المكلف معتذراً حكماً عن التشكيل، بما يسقط دور مجلس النواب في تسمية الرئيس المكلف، وبما ينهي النظام البرلماني القائم لصالح ديكتاتورية الرئيس. 

أما في ملف الحكومة التي يترافق تشكيلها مع بداية السنة الخامسة للعهد، ففيما يتمسك حزب الله بحقيبة المالية مقدماً الحجة لفريق الرئيس بالتمسك بحقائب أخرى، يحاول الرئيس عون خوض معركة الإجهاز على خصمه التقليدي، وليد جنبلاط، بما يستعيد صراع القائمقاميتين الدرزية والمارونية، من خلال استفزازه بتمثيله بوزير هامشي في الحكومة، أم من خلال تعزيز خصومه الضعفاء على طريقة أندية كرة القدم، بتجيير أربعة من لاعبي نادي «لبنان القوي» لصالح نادي «ضمانة الجبل». إن رفض اتفاق الطائف والتصميم على القضاء على موقع جنبلاط هما الثابتتان اللتان تختصران مسيرة الرئيس عون في الحكم منذ أربع سنوات.

وبالتوازي مع التعطيل المستمر لتشكيل حكومة يرى فيها عدة أطراف سياسية، ومن ضمنهم الرئيس نبيه بري، أنّها قد تشكل فرصة ليس لإنقاذ لبنان، بل لإنقاذ ما تبقى من بيئتهم الشعبية، تبدو مرحلة الإستثمار هذه مرشحة للاستمرار حتى نهاية الولاية. كذلك يبدو المجال مفتوحاً على سلسلة من النكوث بالاستحقاقات، التي قد تتحول إلى أوراق قابلة للتفاوض وتعزيز المواقع داخل السلطة. لا يمانع الفريقان، عون وحزب الله، في اسقاط استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة في دائرة التأجيل وربما التعطيل، في ضوء الخلاف الواضح حول قانون الإنتخابات، وبعد الإخفاق الكبير للعهد وتعرض العديد من رموزه لتهم الفساد وبعد التفجير التدميري لمرفأ بيروت الذي قدّم دليلاً على خطورة رهانات وتحالفات العهد. سيحاول  حزب الله والرئيس عون الإستثمار حتى النهاية في الوقت الضائع، كل وفق مصالحه. 

إنّ طموح الرئيس عون باستعادة النظام الرئاسي المقنّع، سيحوّل الاستثمار المشترك إلى استئثار، وهو ما لن يتفق مع طموحات حزب الله الذي يعتبر أنّ القفز فوق الطائف يجب أن يلاقي طموحات الطائفة الشيعية، التي تسعى لتحويل نقاط قوتها إلى مكاسب دستورية تزيد من قبضتها على النظام. إنّ العبث على حافة الهاوية الذي يمارسه الحليفان مرشح للسقوط إلى قعر الهاوية مع بلوغهما نقطة تصادم المصالح، وإنّ مضي الفريقين في تحويل التعثر في تشكيل الحكومة، ولاحقاً إرباكها وتعطيل دورها، من ازمة حكم إلى أزمة نظام سيستدعي تدخلاً دولياً ومكلفاً إقليمياً لإنقاذ الوضع.

قد لا تختلف نهاية العهد في العام 2022 عن نهاية الحكومة العسكرية في العام 1990، ربما هذا ما قصده الرئيس عون في كلمته ما قبل تسمية الرئيس الحريري «قلت كلمتي ولن أمشي». في مرحلة الاستئثار، لن يختلف تحالف حزب الله مع الرئيس عون عن نجاح راكبَي حافلة ركاب باختطافها فيما يتحين كل منهما الفرصة لرمي الآخر خارجها قبل بلوغها المحطة. 

فمن يكون المكلّف بذلك وما هو الثمن هذه المرة في زمن التطبيع والترسيم؟

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade