بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تموز 2018 12:32ص تعثُّر العهد ومخَاطِر السقوط نحو الدولة الفاشلة

حجم الخط
في ظل التعثر المستمر في عملية تشكيل الحكومة، وفي ظل فشل كل المحاولات التي بذلها الرئيس المكلف سعد الحريري لحل كل العقد التي تواجهه بها مختلف الأحزاب والكتل النيابية بات من الضروري التساؤل عن مدى قدرة النظام الراهن وجدارته على حكم البلد، ومعالجة مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج السوريين من لبنان؟ فالقوى السياسية أثبتت تكراراً عدم جدارتها على التعامل فيما بينها، وفق القواعد التي حددها الدستور وأعراف اتفاق الطائف والميثاق الوطني، في كل شؤون الحكم والسلطة وخصوصاً في كل عمليات تشكيل الحكومات أو لإعداد قانون جديد للانتخابات، أو لتسيير شؤون الدولة والمجتمع داخل مجلس الوزراء. تحوّلت عملية تشكيل الحكومات إلى «بازار» لتوزيع الوزارات على الكتل والأحزاب، وخصوصاً ما بات يعرف بالوزارات السيادية أو الوزارات الخدماتية، والتي تشكل مصدراً لتحقيق المكاسب مالياً أو انتخابياً. ولا يمكن تجاهل الأضرار الناتجة عن التأخير (شهور عديدة) في التوافق على التشكيلة الحكومية.
في الواقع، لا بد من التساؤل عن مدى جدية التأكيد بعد اجتماع الرئيس الحريري مع الرئيس عون على متانة التسوية التي يعيش البلد في ظلها، وبعد توضيح مواقفهما حول ضرورة الإسراع في إعلان تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها لبنان؟ يجب أن يدرك الرئيسان بأن التأخير في تشكيل «حكومة العهد الأولى» بعد الانتخابات النيابية العامة سيؤدي حتماً إلى تآكل رصيدهما السياسي، وسيؤدي حتماً إلى إضعاف الثقة الشعبية بقدرة «الرئيس القوي» وحكومته الأولى على مواجهة الاستحقاقات الداهمة، سواء لجهة محاربة الفساد أو معالجة أزمة النازحين السوريين أو مواجهة الأزمة الاقتصادية وتساقطاتها الاجتماعية.
لن تقتصر الأضرار المباشرة والتساقطات السامة الناتجة عن التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة، على رصيد العهد أو على الثقة بالحكومة وبرئيسها بل ستشمل هذه الأضرار المزيد من التراجع في دور السلطة داخلياً وخارجياً، وفي مدى قدرتها على اتخاذ المبادرة لتحقيق السيادة الوطنية، التي يبدو بأنها باتت معرضة للانتهاك الخطير في قضايا معقدة وحساسة كقضية إعادة النازحين السوريين، واستغلالها من قبل حزب الله في محاولة لفرض أمر واقع جديد في العلاقات بين لبنان وسوريا، وسيؤدي ذلك دون شك إلى عودة أجهزة المخابرات السورية للعمل في مختلف المناطق، من بوابة إعادة اللاجئين، وتحت غطاء من جهاز الاتصال التنفيذي الذي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله عن تشكيله.
يطرح عزم حزب الله على تولي مسألة إعادة النازحين بالتنسيق مع النظام السوري إشكالية كبيرة حول قدرة الدولة اللبنانية على ممارسة سلطاتها السيادية.
من المطلوب والمعروف في القانون الدولي وتجاه المؤسسات المتخصصة بأن الدولة وحدها هي صاحبة الحق في تنظيم وإدارة وإعادة النازحين، وأن تولي حزب الله هذا الأمر سيؤدي حتماً إلى سقوط «ورقة التوت» من يد الحكومة باعتماد سياسية «النأي بالنفس» تجاه الصراع السوري، كما أنها ستفتح الباب للتشكيك بقدرة لبنان على السيطرة على حدوده مع سوريا، وصولاً إلى تأكيد الشكوك الدولية حول اختراق حزب الله للمؤسسات الأمنية والعسكرية، مع كل ما يترتب على ذلك من أخطار قطع المساعدات بالسلاح والذخيرة والتدريب عنها.
يبدو أن السيد نصرالله يستعجل العمل على إعادة اعداد من النازحين بالتنسيق مع النظام السوري انطلاقاً من علاقته الخاصة به، منبهاً «أنه ليس هناك وقت لإضاعته وسنستمر في المساعدة إلى أن يتم حسم الملف بين الحكومتين اللبنانية والسورية» وهنا نتساءل عن الفترة اللازمة لإنجاز العودة كاملة؟
سيؤدي هذا الالتزام بحسم هذا الملف توسيع عمل حزب الله وتواجده التنظيمي الخاص ليشمل جميع المناطق اللبنانية، وسيخلق هذا الأمر إشكالات وخلافات سياسية وطائفية، لا يمكن تدارك تداعياتها إلا بوجود حكومة قوية.
تستدعي الاستحقاقات الكبيرة ومنها محاربة الفساد وتحضير الأرضية الصالحة لتنفيذ مقررات مؤتمري باريس وروما، ومعالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي أن يبادر الرئيسان عون والحريري لحل العقد التي تعرقل تشكيل حكومة طوارئ بمن حضر، والانطلاق في ورشة عمل تؤكد على وجود رؤية واضحة لقيام الدولة القادرة، قبل فوات الأوان وإخضاع لبنان فعلاً لا قولاً لهيمنة إيرانية – سورية كاملة.