بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 شباط 2020 12:38ص ثقة هزيلة وتوقّع فشل الحكومة

حجم الخط
إذا حصلت حكومة حسان دياب على ثقة هزيلة من المجلس النيابي، فإن هذه الثقة لن تؤمن لها القوة والمناعة السياسية لتحكم لفترة طويلة، في ظل توقع استمرار رفض الانتفاضة لها، هذا بالإضافة إلى عدم ظهور أية بوادر ترحيب بالحكومة ورئيسها من قبل المجتمعين العربي والدولي.

استقالت حكومة سعد الحريري بقرار صادر عن رئيسها، انطلاقاً من قناعته بأنه لا يمكن الاستمرار في الحكم ضد إرادة الإنتفاضة، التي طالبت أولاً وقبل أي شيء آخر بإسقاط الحكومة السياسية، وبالدعوة لانتخابات مبكرة، كخطوة أساسية على طريق الإصلاح السياسي، مع وما يستلزم ذلك من إعادة تكوين للسلطة من خلال انتخاب مجلس نيابي جديد. وشكلت استقالة الحكومة أيضًا دليلاً واضحًا على وجود فجوة سياسية واسعة بين الطبقة الحاكمة والشعب، وبأنه لم يعد من الممكن ردمها من خلال تشكيل حكومة جديدة من الأحزاب والقوى السياسية الراهنة. ويؤشّر استمرار التحرك الشعبي في الشارع، وبالقوة التي عبر عنها في محاولته لتعطيل الجلسة النيابية المخصّصة لإعطاء الحكومة الثقة عن قناعة بأن هذه الحكومة هي غير قادرة على القيام بالخطوات السياسية اللازمة لإعادة تكوين السلطة، خصوصًا في ظلّ خلو بيانها الوزاري من أي التزام بالدعوة لانتخابات مبكرة. 

إن الأزمة التي يواجهها لبنان هي سياسية بامتياز، وتتعلق بصورة مباشرة بأداء الطبقة السياسية في تعاطيها مع شؤون الحكم وإدارة مؤسسات الدولة ونهبها للأموال العامة. والمؤسف في الأمر بأن الطبقة السياسية. مستمرة في تجاهلها لمطالب الناس، وهذا ما يؤشر إليها رفضها لكل مطالب الشارع، بدءًا من تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات من الاختصاصيين المستقلين لإدارة شؤون الدولة والتحضير لانتخابات مبكرة خلال عام 2020. 

يبدو بوضوح من تشكيلة الحكومة الراهنة بأن الأحزاب والقوى السياسية المتحالفة مع الثنائية الشيعية مستمرة في انتهاج نفس السلوكيات والسياسات القديمة، وهي ممعنة في عنادها في مواجهة مطالب الناس، وهذا ما دفعها إلى الضغط على الرئيس حسان دياب للقبول بوزراء يمثلونها، وبشكل ينطبق على معظمهم القول بأنهم يرددون «صوت أسيادهم». 

في الواقع يمكن النظر إلى الأزمة المالية والاقتصادية والنقدية التي تواجهها البلاد بأنها نتيجة مباشرة لسوء الأداء السياسي لهذه الطبقة الحاكمة منذ ما يقارب ثلاثة عقود. ولا يمكن توخي شقاء لبنان من أزمته هذه، مع كل ارتداداتها المعيشية إلا من خلال التصدي بصورة مباشرة للواقع السياسي الرديء والسيىء الذي تمثله هذه القوى السياسية الممعنة بخدمة مصالحها على حساب جميع اللبنانيين. 

في الاستنتاج العام لا يمكن لحكومة حسان دياب أن تقوم بمهمة الإصلاح المطلوب من الشارع، خصوصًا وأنها قد اختيرت بعناية لخدمة أسيادها في قوى اللون الواحد التي بات من المفترض أن تتحمل مسؤولية فشل هذه الحكومة في تنفيذ أي من الوعود التي أدرجتها في بيانها الوزاري الفضفاض. 

من المتوقع أن تستمر الانتفاضة الشعبية في تحركاتها وضغوطها في الشارع إلى حين إسقاط هذه الحكومة، وقد يستغرق ذلك بضعة أشهر، ويمكن أن يترافق ذلك مع تصعيد في مستوى عنف المواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط عدد من الضحايا. 

أما على الصعيد العربي والدولي فقد اتصف الموقف العام بشيء من الترقب، وذلك حرصًا من الدول الصديقة للبنان على عدم اتهامها بالمسؤولية عن انهيار الوضع اللبناني سياسيًا أو ماليًا. في رأينا يبدو أن هناك تفاهمًا عربيًا ودوليًا على إعطاء حكومة حسان دياب فرصة للعمل لتنفيذ بعض ما وعدت به في بيانها الوزاري، ولن تكون هذه الفرصة طويلة. لا يمكن أن تأمل هذه الحكومة بالحصول على أي دعم سياسي أو مالي خلال هذه الفرصة، وذلك بانتظار تبلور أدائها العام، واستقلاليتها عن حزب الله والقوى السياسية المتحالفة معه في هذه الحكومة. 

لا ترى المجموعة الدولية والعربية الداعمة للبنان من خلال مقررات مؤتمر «سيدر» بأن هذه الحكومة الواقعة تحت نفوذ حزب الله هي قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة كمقدمة للمباشرة بتنفيذ قرارات «سيدر»، وهذا ما أكّده توقيع رئيس الحكومة لموازنة عام 2020، والتي يبلغ العجز فيها ما يقارب خمسة مليارات دولار، بالإضافة إلى تبني خطة الكهرباء الموضوعة من الحكومة السابقة والتي تتطلب دعمًا ماليًا كبيرًا لعدة سنوات مقبلة. 

أما على صعيد السياسة الأميركية، فإن المناقشات داخل الكونغرس تؤشّر بأن الموقف يذهب نحو مزيد من التشدد، وذلك في سياق الدعم لتحرك الإدارة لتشديد العقوبات ضد حزب الله والمتعاونين معه، حيث تحدثت المعلومات عن لائحة جديدة بأشخاص لبنانيين ستشملهم العقوبات الأميركية قريبًا. 

في الخلاصة صحيح أن الحكومة قد حصلت على ثقة هزيلة من المجلس النيابي، ولكنها لن تكون كافية لإعطائها التفويض للإستمرار، فهي ستواجه الشارع في تحركاته المستمرة، كما ستواجه انعدام الدعم العربي والدولي اللازم لمساعدتها على النهوض والاستمرار لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر.