بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيار 2020 08:27ص ثلاث مصالحات لحكم لبنان

حجم الخط
تجاوز السقوط الأخلاقي المتسارع للطبقة السياسية الذي يتوالى فصولاً، سقوطها القانوني بفشلها في بسط سيادتها وسقوطها السوسيولوجي الذي كرّسته ثورة 17 تشرين.يتجاوز المشهدالسياسي كلّ التصورات ولم يعد من السهل ترسيم المسار الذي ستأخذه التداعيات المرتقبة. إنّه سقوط آخر ما يمتّ للسياسة بعد سقوط آخر ما يمت للدولة في لبنان.

شكّلت قضية الفيول المغشوش الماثلة أمام القضاء وتداعياتها السياسية المرافقة،وآخرها المؤتمر الصحافي لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ما يشبه إنفجار منظومة الحكم والبيئة السياسية التي تحتضنها. قد يكون إنهيار التحالفات المصطنعة التي صاغتها دمشق وتعهد حزب الله صيانتها بالإكراه بعد انسحاب الجيش السوري، أشدّ وقعاً على جمهور الممانعة من السمسرات الرخيصة والفساد الذي لا يمكن لوزراء الطاقة من رجال التيار الوطني الحر وحلفاؤهم التنصّل منه. هول الفساد في ملف الطاقة جعل تحقيق بعض الأهداف السياسية عصيّاً على التيار الحاكم لينقشع من ورائه وأمامه فضائح بناء المعامل والشركات الإستشارية والمشغلّة والمشرفة والتي تشكّل بالإضافة لملف البواخر فضيحة العصر. كلّ الدفوع التي أبداها وزراء الطاقة ومعهم النائب حسن نصرالله، الذي حاول تبرئة حزب الله من ديون اللبنانيين وتبعات انهيار إقتصادهم،جاءت باهتة ودون القدرة على إنقاذ ماء الوجه أمام اللبنانيين.

أحد أهم مؤشرات هشاشة التحالف الذي يقوده حزب الله أنه يحتضن مشروعين للرئاسة، الوزير جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية، متحالفين مع دمشق وينتميان لمحور المقاومة، وإذا كان الحزب ومن خلفه دمشق قد نجحا في إقصاء فرنجيه لإيصال العماد عون، فلا يبدو الأمر متيسراً على مشارف المعركة الرئاسية القادمة. قطع الجسور مع العهد جعلت فرنجية ينقض على تاريخ التيار كاشفاً حقائق لطالما بقيت ملتبسة على العديد من اللبنانيين. وصّف فرنجية كل وعود التحرير التي نادى بها عون حتى العام 1990 وناضل واستشهد اللبنانيون من أجلها بصفقة سياسية بين غازي كنعان والعماد عون للوصول الى الرئاسة. فرنجية لم يتوانَ عن المرور على كلّ التجاوزات المرتكبة في موضوع التعيينات القضائية وتسييس القضاء واستخدام عنوان مصالح المسحيين للتمسك بمغانم خاصة لباسيل ومنها محطة الغاز في سلعاتا.

هشاسة المرجعية الإقليمية للتحالف الذي يقوده حزب الله يثيرها البعد الإقتصادي للأزمة اللبنانية، والذي يطرح أكثر من علامة إستفهام وخوف من بلوغ المجهول. يتساءل اللبنانيون عن حدود المغامرة التي يمضي حزب الله بها والتي قبلوها في خضم الصعود المذهبي ويرفضون استمرارها مع إرتفاع حدّة المصاعب التي تهدد حياتهم. الحزب ملزم بإجابة جمهوره عن جدوى إحتضانه لتجار الدولار اللبنانيين والسوريين والإيرانيين الذين يرتعون في مناطق نفوذه، وحرية العمل التي تمتع بها نقيب الصرافين الموقوف محمد مراد، ناهيك بقوافل المازوت والطحين التي تمرّ عبر مناطق انتشار الحزب نحو سوريا. وبمعنى أدق لماذا على اللبنانيين أن يتحملوا تبعات دعم نظام متهالك في دمشق يتعارض استمراره مع مصالح حلفائه من موسكو الى طهران مروراً ببيئته المذهبية والعائلية المتفجرة على أكثر من عنوان، وما هو مصير العناوين الجهاديّة التي أُطلقت لتسويق فكرة الحرب في سوريا في خضمّ الصراع الروسي الإيراني؟وما هي الأثمان التي يجب دفعها؟

تلقف الكثير من اللبنانيين بشغف ما نطق به فرنجية العازم على خوض معركة الرئاسة . أظهر تمردّ فرنجية اليوم خروجاً شجاعاً على قواعد الإشتباك المسموح بها، بما يعني أولاً سقوط الرهان علىالجمع بين الديني والسياسي لعقد التحالفات أو لبناء مواجهات سياسية دائمة، وثانياً عدم وضوح المشروع الإقليمي  وعدم الإطمئنان للعلاقة مع المرجعية الإقليمية التي يمثّلها النظام في دمشق وطهران الممثّلة بحزب الله. 

إنّ المرشح القادر على حكم لبنان هو المرشح الشجاع القادر على عقد ثلاث مصالحات، مصالحة مع الطائف لطيّ صفحة جمهورية الطوائف، ومصالحة مع اللبنانيين لبناء دولة المؤسسات وتكريس المساواة وتكافؤ الفرص في ما بينهم ومصالحة مع أصدقاء لبنان لإعادة الوطن الى محيطه الطبيعي. مصالحات ثلاث لم تدرج يوماً على مفكرة الرئيس العماد ميشال عون.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade

khaledhamade@rfcs-lb.org