بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الثاني 2020 12:00ص حرب إقليمية عن طريق الخطأ أو الاختيار

حجم الخط
تخيّم على المنطقة أجواء من الشك والغموض جراء تداعيات الأزمات المتتالية والأحداث الدراماتيكية التي تشهدها قبل وبعد عملية إغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس. وجاءت حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ أطلقه الحرس الثوري لدى إقلاعها من مطار الخميني في طهران، لتزيد من تعقيدات الوضع الداخلي والذي يشهد تظاهرات متواصلة منذ بضعة أشهر واجهتها قوات النظام بمزيد من القمع وعمليات القتل.

في ظل هذه التداعيات لا بد من التساؤل: هل إكتفت إيران بالقصف الصاروخي على قاعدتي عين الأسد وأربيل في معرض ردّها على مقتل سليماني، خصوصاً بعد توافر معلومات عن ملاحقته منذ أكثر من 18 شهراً لإغتياله؟

وفي حال إكتفت القيادة الإيرانية بهذا الرّد في الوقت الراهن لتفادي الإنزلاق إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج مع الولايات المتحدة، فما هي الخطط التي ستعتمدها ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران وحزب الله اللبناني من أجل الثأر لقائدها؟

في رأينا لن يسدل الستار على مشهد مقتل سليماني بهذه السرعة والسهولة، ولن تكتفي إيران وميليشياتها بالقصف الصاروخي الذي نفذته، ولا بد من حصول مجموعة من العمليات للثأر لدمائه في الأشهر والسنوات المقبلة، والتي لن تقتصر على الردود العسكرية المباشرة بل ستتعداها إلى عمليات أخرى متنوعة، في مسارح عمليات تمتد إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

شكّل اغتيال اللواء سليماني أخطر قرار إتخذه الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية، حيث كان يدرك مخاطر ردود الفعل والتداعيات التي ستترتب على ذلك، والتي قد تستمر تساقطاتها السامة لأشهر أو لسنوات نظراً لأهمية الدور الذي كان يلعبه في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة على المستوى الإقليمي منذ عام 1998.

برّر ترامب إتخاذه لقرار الاغتيال بمنع حصول هجمات إيرانية وشيكة (كان قد خطط سليماني ) ضد أربع سفارات أميركية.

كان من المتوقع فور إعلان خبر اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس مساعد قائد الحشد الشعبي أن يتفجّر الغضب الإيراني، وأن يتحضّر الجميع لشن مجموعة من الهجمات الصاروخية التكتيكية ضد القواعد الأميركية في العراق، وذلك في معرض الثأر والتعويض المعنوي على الخسارة الفادحة التي أصيب بها الحرس الثوري.

كان على ترامب أن يتفادى الإنزلاق إلى منطق التصعيد التكتيكي من خلال إعتماد خيار استراتيجي لاحتواء ردود الفعل الغاضبة، وذلك حفاظاً على سلامة التواجد العسكري والدبلوماسي الأميركي في المنطقة، وتحاشي دفع الوضع إلى شفا حرب إقليمية. ويتطلب نجاح مثل هذا الخيار أن تعمل واشنطن على تفعيل اتصالاتها الديبلوماسية مع كل حلفائها في المنطقة وفي أوروبا.

أدركت الولايات المتحدة بعد مقتل سليماني بأنها باتت تواجه عدداً من الخيارات السيئة والمعقدة، والتي تنذر بالدفع نحو حرب عن طريق الخطأ أو الإختيار، مع ضرورة حشد المزيد من القوات الأميركية في المنطقة لحماية البعثات الديبلوماسية ورفع مستوى الردع الأميركي إقليمياً.

وجد ترامب نفسه أيضاً في وسط حالة من الإنقسام الدولي وخصوصاً مع حلفائه المباشرين في أوروربا وذلك على خلفية الإتفاقات التجارية وحجم الإنفاق داخل حلف شمالي الأطلسي، وموقفهم المتعارض مع موقفه بعد ما قرر الخروج من الإتفاقية النووية مع إيران، ومحاولاتهم الحثيثة لإيجاد المخارج لتخفيف وطأة ومفاعيل نظام العقوبات الأميركي ضد إيران.

لا بدّ في هذا السياق من الإشارة إلى فقدان إدارة ترامب لكل القنوات الخلفية للإتصال مع إيران والتي كانت متوافرة في ظل إدارة باراك أوباما.

أدى التصعيد الذي تسبب به الهجوم الأميركي على قواعد كتائب حزب الله العراقي في العراق وسوريا، والتداعيات لعملية إغتيال سليماني إلى صدور قرار عن البرلمان العراقي، بدعم من الكتل البرلمانية الموالية لطهران يطالب بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في البلاد. وسيؤدي هذا القرار في حال تنفيذه إلى تطورات لن تكون في صالح سيادة واستقرار العراق، أولها عودة عمليات الدولة الإسلامية، وثانيها مزيد من الهيمنة الإيرانية على العراق.

لا بدّ من  الإشارة إلى التعقيدات التي يواجهها ترامب مع الكونغرس ومع الرأي العام الأميركي على خلفية عدم إحاطتهما المسبقة بعملية اغتيال قاسم سليماني، وعدم تقديمه الدليل على وجود معلومات تؤكد التخطيط لمهاجمة أربع سفارات أميركية.

في رأينا لم تنته ردود الفعل والثأر لمقتل سليماني، بل تأجلت لاختيار الوقت المناسب والأهداف المناسبة من قبل إيران وأدواتها، في الوقت الذي يستمر فيه ترامب في فرض مزيد من العقوبات والحصار على طهران. ويبقى العراق ومياه الخليج خط تماس مفتوح بين الطرفين، وهذا ما ينذر بتطورات قد تجعل من ترامب فريسة حرب لا يريدها، ويعمل بكل الوسائل لتجنبها.

ستسقط في النهاية جميع مراهنات ترامب بإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات والخضوع لمطالبه بالتخلي كلياً عن طموحاتها النووية.

هل يدرك ترامب أن المشروع النووي هو مطلب شعبي، ولذلك فإنه من السخرية الاستمرار في سياساته الراهنة، والتي ستؤدي حتماً إلى إضعاف موقع أميركا في الشرق الأوسط، مع إمكانية الإنزلاق إلى حرب جديدة عن طريق الخطأ أو الاختيار.