بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تموز 2018 12:32ص حرب العهد على الفساد: المهمة المستحيلة

حجم الخط

دأب الرئيس ميشال عون منذ بداية مسيرته السياسية كرئيس للحكومة الانتقالية التي أعقبت نهاية عهد الرئيس أمين الجميل في أيلول 1988، على إطلاق الوعود بإصلاح الدولة وتفعيلها. وجدد وعوده بالإصلاح والتغيير بعد عودته إلى لبنان في عام 2005، واستمر في رفعه شعار الحرب على الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة منذ انتخابه كرئيس للجمهورية.
في تصريح صدر مؤخراً دعا الرئيس عون «اللبنانيين إلى مساعدة الدولة في مكافحة الفساد» كما أشار إلى أنه «لا إمكانية في إنجاز إصلاح في مجتمع لا يتعاون شعبه مع دولته في مواجهة الفساد فيه». تأتي دعوة الرئيس اللبنانيين لمساعدته في الحرب على الفساد وبعد أن اقترب من نهاية السنة الثانية من عهده، دون أن تقوم مؤسسات الدولة السياسية من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإدارية بأية خطوات تحضيرية لإطلاق الورشة الإصلاحية لإحياء وتفعيل المؤسسات الرقابية التي أنشأها الرئيس فؤاد شهاب. ولا يمكن إغفال عدم مبادرة الرئيس وحكومته إلى تشكيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى إعداد الهيئات القضائية والمحاكم الخاصة بمحاكمة الفاسدين.
يتفشّى الفساد ويستشري نتيجة ضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها السياسية والإدارية، ولم يكن هذا الأمر جديداً على الدولة اللبنانية، حيث تكرست عبر العقود الممارسات الخاطئة والفاسدة للقوى السياسية، إلى أن جاء العهد الشهابي ببرنامج إصلاحي، حصّن الإدارة، وحدّ بالتالي من عمليات التنافس في نهب موارد الدولة.
تحوّل الفساد في لبنان إلى «آفة عامة» لا تقتصر على مؤسسات الدولة ومواردها بل شملت جميع قطاعات المجتمع، حيث بلغ الفساد نسبة عالية تضع لبنان في موقع متخلف جداً قياساً بالدول الأخرى. وتفيد دراسات المؤسسات الدولية ولعام 2007 بأن لبنان قد صنف في المرتبة 146/212 لجهة فعالية الحكم والإدارة وصلاحهما، بينما جاء تصنيفه في المرتبة 167 على مقياس مراقبة الفساد، وبلغ المقياس العام للاستقامة والأمانة 45/100. واللافت أن هذه المرتبة قد تراجعت عام 2014 إلى 27/100، وكان التصنيف العام 136/175. ومن المرجح أن يكون مستوى الفساد قد ارتفع خلال السنوات الأربع الماضية.
وهنا لا بد من التساؤل عن مدى إدراك الرئيس عون لتعقيدات وصعوبة مهمته لمحاربة الفساد، ومدى قدرته الفعلية في التحضير لإطلاق الورشة الإصلاحية التي يعد الناس بها منذ أكثر من ربع قرن. تجعل الممارسات السائدة في السياسة والإدارة وعمليات المحاصصة وتحقيق المكاسب والمنافع لطبقة السياسيين والطوائف منذ بداية تسعينات القرن الماضي مهمة العهد شبه مستحيلة، خصوصاً بعد أن تحول الفساد إلى فساد كلي وشامل، ويستدعي وضع نظام تربوي يعمم ثقافة الوعي لمحاربة الفساد.
بعيداً عن التشكيك في نوايا ومصداقية الرئيس في الوفاء في الوعود التي قطعها على نفسه لا بدّ لنا أن نتساءل عن الخطة التي سيعتمدها لإصلاح الدولة ومحاربة الفساد؟ وعن الفريق السياسي وفريق الخبراء الذين سيساعدانه على تطوير رؤيته وإطلاقها؟
بصراحة الحريص على مصلحة الدولة والوطن، لم تأت الانتخابات الأخيرة التي جرت في ظل قانون نسبي ارتضاه الرئيس عون بطبقة سياسية جديدة، تمتلك الرؤية والوعي والإيمان والاستقامة لبناء دولة جديدة وبالتالي وقف المنافسة الحاصلة في السطو واستنزاف موارد الدولة.
تدعو الواقعية السياسية إلى التساؤل عن مدى قدرة «الرئيس القوي» على الوفاء بوعوده الإصلاحية وبقدرته وجديته على محاربة الفساد بعدما توسع وتعمق هذا الفساد في ظل سياسة المحاصصة التي يتبعها العهد كالعهود التي سبقته منذ عام 1990.
يبدو بأن المجلس النيابي الراهن والذي ستتشكل منه «حكومة العهد الأولى» لن تكون ممارساته سواء في تشكيل الحكومة على قاعدة المحاصصة بأفضل من المجالس السابقة، وبما يؤشر بأن حالة الفساد الكلي هي مرشحة للاستمرار والتجذر. كيف يمكن أن يثق المواطنون بوعود اجتثاث الفساد، في ظل الحكومة العتيدة، والتي يبدو بأن عقدة تشكيلها باتت عند باسيل المكلف من الرئيس عون بمتابعة ملف التشكيل مع كل ما يثيره من خلافات وحساسيات مع الكتل النيابية المرشحة لدخول الحكومة.
يبقى السؤال المحوري: إلى متى يمكن أن يستمر الرئيس عون في دعواته للاضطلاع بهذه «المهمة المستحيلة» مع استمرار العجز عن تشكيل الحكومة؟