بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيلول 2018 12:30ص «حزب السلطة» لن يسمح بتشكيل حكومة... إلا بشروطه

حجم الخط
يقول فؤاد بطرس في مقدمة مذكراته «لقد علمتني التجربة بأن ممارسة السياسة من حيث علاقتها بالمشكلات ذات الطابع العام هي أقرب الى الفن منها الى العلم بمعناه الضيق، وهذا الفن يتجلى في حسن اختيار الاتجاه الذي على الدولة أن تسلكه تحقيقاً لاستقلال وازدهار وحرية مواطنيها وسعادتهم». لو راجعنا تجربة عهد الرئيس ميشال عون منذ بدايته الى اليوم فإننا سنجد بان الممارسات السياسية لمختلف القيادات الرئيسية، وخصوصاً تلك المحسوبة على العهد هي أبعد ما تكون عن الفن والعلم معاً، سواء بمعانيها التجريبية والأكاديمية والبراغماتية. 
كان يمكن تفهم الأسباب لحالة التشويش والإضطراب التي سبقت بداية العهد، ومنعت انتخاب رئيس، وإبقاء سدة الرئاسة فارغة لفترة سنتين ونصف، وبالتالي تعطيل السلطتين الإشتراعية والتنفيذية طيلة هذه الفترة. لقد جرى تعطيل دور المجلس النيابي كهيئة ناخبة كما جرى تعطيل عمل مجلس الوزراء من خلال اعتبار كل وزير مسيحي نفسه وصياً على الحكم يمثل رئيس الجمهورية المغيّب. كان من المتوقع ان يبادر الرئيس عون بعد انتخابه الى تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على التفاعل مع المشكلات الخطيرة التي تعصف في البلد على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
كان من المنتظر أيضاً ان يستفيد العهد من التسوية الرئاسية التي حققت «المعجزة» بتقارب القوى والتيارات المتخاصمة لا بل المتعادية، وتوافقها بما يشبه الاجماع على انتخاب الرئيس عون، وأن ينطلق بالتالي منذ الشهر الأول للعهد في تشكيل حكومة تضم أفضل الكفاءات المهنية والعلمية والأخلاقية والقادرة على رفع لواء التغيير ومحاربة الفساد، وعلى ممارسة السياسة كفن وكعلم بمعناه الواسع. 
لم يحدث ذلك مع تشكيل حكومة سياسية تقليدية، وهذا ما دفع الرئيس عون الى الإسراع للتبرؤ من كونها حكومة العهد الأولى، متعهداً بأن تشكل حكومة العهد الحقيقية بعد اجراء الانتخابات العامة في ظل مجلس نيابي جديد منتخب على أساس النسبية.
يبدو اليوم وبعد مرور مئة وبضعة أيام على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة «الموعودة» بأن عملية التشكيل ما زالت تواجه المأزق، وبأن العقد التي تعرقل ولادتها هي متعددة ومستحيلة الحل في ظل جنوح القوى السياسية الرئيسية للاستئثار وإلغاء الآخر، هذا بالإضافة الى تداخل عوامل خارجية تفرض على مختلف القيادات والأحزاب استمرار «التمترس» في مواقعها، ورفض أية تسوية لتسهيل ولادة الحكومة.
واللافت في الأمر غياب أية مقاربة تعتمد الفن أو العلم للخروج عن الطريقة التقليدية في تشكيل الحكومة من سياسيين مكشوفين وغارقين في لعبة المحاصصة والفساد. تدعونا هذه المفارقة، والحلقة المفرغة التي تدور فيها عملية التشكيل الى السؤال عن ما يمكن ان يقدمه رئيس الجمهورية في خطابه امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن ما يواجهه لبنان من مشاكل داخلية وخارجية، وعن حاجته للدعم والتصدي لهذه المعضلات.
كما تدعو المفارقة نفسها للتساؤل عن ما يمكن أن يواجه به الرئيس المكلف أصدقاء لبنان الذين اجتمعوا في مؤتمري باريس وروما وتعهدوا فيهما بتقديم المليارات لدعم لبنان وجيشه عن الأسباب التي تمنع الخروج بتشكيله حكومية قادرة على تنفيذ ما تعهد به لبنان من اصلاحات بنيوية في سياساته المالية والاقتصادية والأمنية.
المؤسف في الأمر أن التعقيدات والخلافات حول مصالح الأفرقاء, وخصوصاً مصالح حزب رئيس الجمهورية وطموحات صهره جبران باسيل, لم تسمح بتسهيل التقاء الرئيسين على التشكيلة الأخيرة التي قدمها الحريري أول أمس، وستقف حجر عثرة أمام أية تشكيلة بديلة، خصوصاً في ظل تحول التيار الوطني الحر الى «حزب السلطة» على غرار ما كان عليه الوضع في دول عربية عديدة مع سعيه الحثيث الى تأمين وصول «الوريث» الى سدة الرئاسة مستقبلاً، على غرار عمليات دعم توريث بشار الأسد وجمال مبارك وسيف الإسلام القذافي من قبل أحزاب السلطة.
هذا ما تحدث عنه بصراحة مساعد امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل يومين ناصحاً بوقف جهود التوريث والانصراف لتشكيل حكومة من خلال تغليب لغة الفن والعلم.