بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2018 12:30ص حكومة تحمي لبنان من المخاطر السورية والإقليمية

حجم الخط
في الظروف الصعبة والمعقدة سياسياً واقتصادياً التي يواجهها لبنان داخلياً والتي تتجلى في العجز الحاصل لتأليف حكومة متوازنة وقادرة بعد ما يزيد على أربعة أشهر من اجراء انتخابات عامة وفق قانون انتخابي جديد، يقوم على النسبية ، كان من المفترض ان يصحح نسبة التمثيل المسيحي، ينقسم اللبنانيون كعادتهم حول سوريا، بين فريق مؤيد للنظام يستعجل المصالحة الرسمية بين الدولتين، ويسعى الى الانفتاح الكامل والتعاون الوثيق بينهما، وفريق يقول باعتماد سياسة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، حيث أن الحرب السورية لم تنته بعد بل هي آخذة في التوسع بعد أن بات من المتوقع ان تشهد تصعيداً كبيراً في المرحلة المقبلة بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائهما. 
تستدعي الحكمة و الواقعية السياسية أن يستعد لبنان الى متابعة التطورات الجارية على المسرح السوري، وعلى المستوى الإقليمي من أجل تدارك الأخطار المقبلة، واحتواء تساقطاتها السامة على استقراره واقتصاده. تؤشر التطورات الراهنة الى اعتماد إسرائيل سياسة عسكرية تصعيدية في مواجهة الوجود الإيراني في سوريا،وتتحدث المعلومات عن تنفيذ 200 غارة جوية خلال ثمانية عشر شهراً ضد المواقع الإيرانية. لا تؤشر على خطورة الوضع اعداد الغارات بل المواقع ذات القيمة الاستراتيجية العالية التي تستهدفها خصوصاً بعد استهدافها في الفترة الأخيرة لمطار المزة، ومطار دمشق، ومؤخراً ضاحية اللاذقية الشرقية وطرطوس حيث تتواجد القاعدتان الروسيتان البحرية والجوية. 
لا تقتصر الاخطار الناتجة عن التطورات في المسرح السوري على توسع الهجمات الإسرائيلية ووصولها الى العمق الاستراتيجي السوري بل هي تشمل ايضاً مخاطر تطور المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا حول مسار الأزمة السورية واختلاف النظرة الى الحل السياسي المطلوب وتقرير مستقبل النظام، يضاف الى ذلك المساعي والجهود الأميركية لاقتلاع الحرس الثوري والنفوذ الإيراني من سوريا، والذي تعتبره الولايات المتحدة بانه يشكل نقطة الارتكاز للمشروع الإيراني للهيمنة على عدد من دول المنطقة، ومنها لبنان.
 يترافق مع التعقيدات والمخاطر الناتجة عن التطورات السورية والإقليمية التعقيدات السياسية التي شهدها الوضع السياسي الداخلي، حيث حالت مطالب مختلف الأحزاب والتيارات السياسية لتحقيق كامل مصالحها، دون الأخذ بعين الاعتبار أولوية تحصين الوضع الداخلي وتشكيل حكومة متوازنة وقادرة على انتهاج سياسة «النأي بالنفس» فعلاً لا قولاً على غرار ما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.  لكن الأخطر من أولوية الاصرار على المصالح الخاصة يتمثل في الانزلاق الى سجالات سياسية حادة تتعلق بصيغة الحكم والميثاق وصلاحيات مختلف المؤسسات الدستورية، وبشكل بات يثير الشكوك لدى السنة والدروز حول وجود نوايا لدى «تيار العهد» للخروج على اتفاق الطائف ودستوره. 
دفعت هذه الشكوك التيارات السنية السياسية والروحية الى الالتفاف حول الرئيس المكلف والتحذير من محاولات الخروج على الأصول الدستورية في عملية التكليف ومسار التشكيل. وتقع أجواء التصعيد الاخيرة في المواقف ما بين التيار الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي في نفس السياق من الاختلاف السياسي والإداري والذي يمثل خروجاً على المبادئ التي جرى تكريسها في الطائف. وكان اللافت أن السجال السياسي قد سمح بنشوء حالة من الانفلات الإعلامي، حيث سمحت حملة التراشق بالتهم عبر وسائل الاعلام الرئيسية الى تسلل البعض الى قناة «المنار» للإساءة الى علاقات لبنان بدولة الكويت وأميرها. 
بتنا نخشى ان تؤدي الضغوط المتنامية في موضوع الانفتاح على سوريا، والقائمة على نظرة سطحية الى تطورات الوضع واعلان انتصار النظام، وبالتالي تجاهل كل التعقيدات والمخاطر المستقبلية التي تتربص بسوريا والمنطقة، الى الاستمرار في تقديم المصالح الخاصة «لتيار العهد» على المصلحة الوطنية العليا، ولا بد من تحذير سيد العهد بان قلب الطاولة سيدفع بالبلاد نحو مأزق سياسي يعيد البلد الى أجواء الانقسام التي سبقت ثورة عام 1958.
يتطلب تدارك الاخطار الداخلية والخارجية التي تهدد لبنان ان يتعاون رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف في تذليل العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة وأن لا تقتصر مواقفه على قبول أو رفض التشكيلة الوزارية مع تسريبات لاحقة تحمل الرئيس المكلف وزر الفشل. فالفشل مشترك بين الرئيسين وعليهما أن يتوافقا على تشكيل حكومة «طوارئ» على غرار ما اقترحه البطريرك الراعي إذا تعذر توافقهما على حكومة سياسية جامعة.