بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آذار 2020 12:08ص دروس مُستقاة من التجربة الصينية

حجم الخط
استعاد عدد كبير من الجيوش ألقه لدى الحكومات المستنفرة لمواجهة فيروس كورونا خلال الأيام القليلة المنصرمة. فقد تلقفت كلّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومصر التجربة الصينية الرائدة في الركون للقوات المسلّحة وتكليفها مواجهة الأزمة الوطنية الوبائيّة. لقد  كلّف الرئيس الصيني شي جين بينغ، الجيش بإنهاء المعركة مع الوباء وتولّت الجنرال «شين وي»، التي قضت على وباء (Ebola)، مهمة التعرّف على الفيروس الجديد. لقد نقلت القوات المسلّحة الصينية بطائرات الشحن العسكرية مئات الأطقم الطبيّة التي لديها خبرات مع  وباء (SARS) من العام 2003 ومع وباء (Ebola) الى مدينة ووهان الموبوءة، وتولى 1400 فرد من القوات المسلّحة و950 من العاملين في المستشفيات التابعة لقوة الدعم اللوجستي المشتركة و450 من الجامعات الطبية إدارة مستشفى هوشنشان (بقدرة 1000 سرير)، وأدار الجيش جهوداً منسّقة ارتكزت على الاحتواء العلمي للأزمة وإدارة سياسات هادفة. 

ألمانيا بدورها كلّفت الجيش بإقفال الحدود ووحّدت مع فرنسا الرقابة الحدودية لمكافحة انتشار الفيروس، واستدعت الإحتياط من أجل وضع أطقم التمريض والمختبرات وتقديم الدعم في مستشفيات الجيش وتقديم الدعم للبلديات وتزويد الفرق الطبية بالتجهيزات اللازمة ووضعت مراكز القيادة المحلية والإقليمية في خدمة إدارة الأزمة. وفي جمهورية مصر العربية كُلفت القوات المسلّحة بوضع السيناريوهات المحتملة للتعامل مع الفيروس وتأمين احتياطات عاجلة من المواد الغذائية، وقد شُكّل إحتياط قوامه 20 ألف جندي للتدخّل، وقامت إدارة الحرب الكيماوية بتحضير مواد التعقيم ونقل المعدات الطبية والمهمات الوقائية. وفي إسبانيا جرى تكليف الجيش بتعقيم محطات القطار والنقل المشترك كما هددت الحكومة في بريطانيا بتدخّل الجيش لوقف التسوّق الهستيري.

في لبنان، لم يختلف كثيراً تعامل الحكومة مع أزمة كورونا عن تعاملها مع أزمة اليوروبوندز. التعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية في اجتماعها أول من أمس إقتصرت على العنوان فقط، فقد خلا البيان من كلّ ما يمتّ للتعبئة بصلة، بمعنى إستنفار الطاقات البشرية والطبية والإقتصادية والجامعات وقوى المجتمع المدني، لوضع السيناريوهات وزيادة القدرات الإستيعابية للمراكز الطبية وتأمين إحتياطات من المواد الطبية والمستلزمات التي يمكن تصنيعها محليّاً. 

الأمر اللافت للانتباه، كان عدم الاستفادة من قدرات القوات المسلّحة وفي مقدّمتها الجيش الذي يملك وحده إنتشاراً على كافة الأراضي اللبنانية، والذي يدير منظومة قيادة وسيطرة وإتصال ولديه قدرات بشرية ليس على صعيد المستشفيات والمستوصفات والطواقم الطبية القادرة والمدربة على الإخلاء فحسب بل على صعيد الحركيّة والتخزين وكافة الوظائف اللوجستية، هذا بالإضافة الى قدراته في مجال التدريب والتأهيل والتعامل مع الكوارث. الجيش هو الوحيد القادر على مراقبة الحدود وإقفال كلّ المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة ومطاردة المخالفين وتنفيذ إجراءات طبية ووقائية في القرى المتاخمة للحدود الشرقية والشمالية الشرقية حيث يتداخل المواطنون اللبنانيون مع المواطنين السوريين عبر علاقات اجتماعية واقتصادية بحكم الجوار، كما على مداخل مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين التي تهدد في حال وجود إصابات داخلها بإحداث تطور درامتيكي يستحيل تطويقه. 

لقد عدّد السفير الصيني في جمهورية مصر العربية، لياو لي شيانج، في 12 آذار  في القاهرة أسباب النجاح في التّصدي لفيروس كورونا، وهي القيادة الحكيمة والقوية التي أدّت الى مواجهة الفيروس بفاعلية وسرعة حيث خاضت مع الشعب المعركة بقلب رجل واحد، ووحدة أبناء الشعب، وقوة الجيش الصيني الذي أرسل بكلّ حزم آلاف الطواقم الطبية، ثم الاقتصاد المتين الذي مكّن من بناء المستشفيات خلال أيام وتوفير المستلزمات، والقدرة التكنولوجية حيث نجحت الصين في كشف التسلّل الجيني للفيروس خلال أيام، وآخرها الإيمان ببناء مجتمع بشري بمصير ومستقبل مشترك.

ما يتخبّط فيه لبنان هو أعمق وأشمل من أزمة سياسية أو أزمة اقتصادية أو وبائية، وهو أكبر من إرث سياسي ثقيل. والموضوع لا يتعلّق بالمقارنة بين نقاط القوة والقدرات الصينية وتلك اللبنانية وبكيفية بلوغ لبنان التطور التكنولوجي والاقتصادي الصيني ليتمكّن من اتّخاذ القرار السليم لتجاوز أزماته. التساؤل الكبير هو لماذا الاستمرار بالتضحية بنقاط القوة المحققة في لبنان والتي بنت الصين عليها نجاحها وهي وحدة الشعب وقوة الجيش؟ ولماذا الإصرار على دولة تعايش المؤمنين وإسقاط  دولة المواطنين المتساوين بالحقوق والواجبات التي تحقق القيادة الحكيمة والقوية.





* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade