بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2020 12:02ص رحلة البحث عن الوطن

حجم الخط
لم يعد من الحكمة والواقعية السياسية تلمّس أي مسار للخروج من الأزمة أو إحداث خرق في جدارها من خلال المكوّنات العضويّة اللبنانية. البعد الوجودي للأزمة،بمعنى البحث عن ماهية لبنان الوطن وإدخاله دائرة الملموس -وهو البعد الأساس الذي يتقدّم أيّة مقاربة إصلاحية على المستوى الإقتصادي أو السياسي - أصبح متعذراً. أنّ عملية تجميع بسيطة للمؤشرات الميدانية التي توردها الوكالات والمصادر المتصلة بأنشطة القوى الإقليمية، تجعلنا نتيقّن بــأننا بانتظار ساعة الصفر لإنطلاق فصل من المواجهة الدولية في الإقليم، بمعناها الشامل، وإنّ حالة الترقب السلبي التي تعيشها السلطة المتمثّلة برئاسة الجمهورية وحزب الله وأدواتهما  المتمثّلة بالحكومة، ما هي إلا نتيجة حتميّة للتماهي الكلي مع حالة ترقب مماثلة يعيشها الحليف الإقليمي في الخارج.

إنّ اقتصار مقاربة التسيّب الذي تعيشه الحدود الشرقية مع سوريا  على ما يحرم الإقتصاد اللبناني من مداخيل، أو الإكتفاء بتوصيفه على أنه خط إمداد لدعم ساحات القتال وحماية النظام المتهالك في دمشق لم يعد يوازي حقيقة المشكلة. الحدود اللبنانية السورية التي أسقطتها الطموحات الإقليمية أسقطت معها لبنان برّمته، والداخل اللبناني ومعه الداخل السوري أصبحا جزءاً من العمق اللازم لبقعة القتال الإقليمية المفترضة. وعلى هذا القياس سقطت الصفة السيادية عن الحدود الجنوبية بمعنى ضرورة التّصدي للإختراقات اليومية للعدوالإسرائيلي،فعمليات الإستطلاع المعاديّة هي لزوم المواجهة المفترضة وبالتالي فإنّ توقيت الرد على هذه الإختراقات هو رهن التوقيت المناسب لانطلاق المعركة وفقاً لتقديرات طهران. 

وسيراً على التسليم الرسمي اللبناني بواقع الحال، يصبح الجهد الظاهري الذي تبديه الحكومة وزيارة الوفد الرسمي العراقي للبنان تحت عنوان محاولة إنقاذ الإقتصاد اللبناني وبحث تزويد لبنان بالطاقة واستبدالها بما يتناسب مع حاجات السوق العراقية ، وهماً إقتصادياً يُراد منه دراسة إحتمالات مساهمة العراق في تأمين مستلزمات المعركة الإقليمية من النفط، ودراسة إحتمالات تأمينها عبر المحاور البرية أو البحرية،ويصبح من المنطقي هنا إعادة ربط ذلك بالعمق الاستراتيجي اللازم. وهنا لا بدّ من التذكير بالزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس إسماعيل قاأني، خليفة قاسم سليماني، لشمال شرق سوريا والعملية العسكرية التي قامت بها ميليشيات إيرانية للسيطرة على مدينة البوكمال، المعبر الوحيد المفتوح بين سوريا والعراق، والتعزيزات الروسية التي استُقدمت لاستعادة المدينة،بما يندرج  في إطار الصراع الروسي – الإيراني على تقاسم النفوذ في المنطقة.

وبهذا المنطق يصبح تعطيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تحت عناوين اختلاف الأرقام والجدل البيزنطي حولها والتسويف في السير بالإصلاحات، من مستلزمات تبرير الذهاب نحو ما سمّي بالإتجاه نحو الشرق. وبنفس المنطق أيضاً يصبح التعاطي وفهم فكرة إرسال المنتجات الإيرانية ومنها النفط الى لبنان، عبر العراق وسوريا أو محاولة تمريرها بحراً على أنها  أولاً وأخيراً تأتي في إطار تأمين مستلزمات المواجهة الدولية المرتقبة في الإقليم.

لقد ناشد البطريرك الراعي في عظته الأخيرة رئيس الجمهورية، العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ ، وطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر، وتوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية وإعلانِ حياده. 

ولكن في دولة تقدّم نفسها ساحة للقتال الإقليمي تفقد المؤسسات الدستورية والرئاسات مبرر وجودها، لأن ساحة القتال تحتاج لمقاتلين وتحتاج تعزيزات لقلب موازين القوى بهذا الإتّجاه أو ذاك،  لذلك أضحت كلّ المؤسسات في لبنان ومنها الأجهزة الأمنية باهتة، فدورها يتلخص بتأمين الأرضية لصاحب القرار الإقليمي.كما إنّ البحث عن تسويّة لاستعادة الوطن الضائع في متاهات الإقليم،أو محاولات استعادة شيء من بريق الماضي تحت مسميّات سياسية ومشاريع القفز فوق الأزمة سواء بالهمس من قناة  صلاحيات الرئيس أو حقوق المسيحيين أو طرح الفدرالية قبل البحث عن الوطن أولاً،لم يعد قابلاً للحياة. ومع الوطن المفقود يصبح النفط مقابل الغذاء نفطاً مقابل المزيد من التبعيّة.



* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade