بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الثاني 2020 12:02ص صحّ النوم... البلد يكاد أن يضيع أرضا وشعبا ومؤسسات

حجم الخط
أيام الانقلابات والرجوع عن التوافقات وترحيل الحلول ومواعيد الخروج من «جهنم» وملحقاتها التي تغمر الوطن والمواطنين بسلسلة من المآسي التي تزداد حدّة واشتداداً يوما بعد يوم، خاصة منهم، أولئك الذي طاولهم «الإنفجار النووي»، وأصابهم بالموت والخراب والدمار وهو اليوم يفرض عليهم إقامات جبرية في العراء الجزئي أو الكامل، وسط شتاء حلّ على هؤلاء المواطنين المنكوبين بكل أثقاله وأحماله. بعد كل المستجدات الإيجابية التي حوّلت وضعية التشنّج والخصومة الحادة بين الرئيسين عون والحريري، افترّت ثغور المواطنين تعبيرا عن بعض الانفراج الذي طاول حياتهم، وتمثل بمؤشرات على قرب التأليف الحكومي، وكان لهم في تعدّد اللقاءات الرئاسية في قصر بعبدا، والانخفاض الذي طاول سعر الدولار في الأسواق السوداء، وانطلاق التسريبات الموحية بايجابيات مرتقبة لمعالجة الأوضاع المالية والإقتصادية والحياتية السيئة، انطلاقا من المبادئ العامة التي وضعتها المبادرة الفرنسية ومن وضعية تصحيح ثغرات الحكم والإدارة وتخلّص البلاد من مساوئها التي سبق لها أن أتاحت أعمال الفساد والسرقة والنصب التي أودت بالبلاد إلى كل هذا «الجحيم» الذي حذّر الرئيس عون من الغرق في لهيبه المتأجّج، والذي يكابد اللبنانيون من أهواله ومزيد من توقعاته السلبية، ورغم كل المصاعب والإختراقات التي طاولت مسيرة الرئيس الحريري المستجدة من خلال وزارته قيد التأليف التي انطلقت إلى الوجود من خلال ترشيح ذاتي وواقعي، وكانت الأوضاع المستجدّة تدلّ على جملة من الإيجابيات ما لبثت أن تحولت إلى جملة من السلبيات والمطبات التي أبعدت المبادرة الفرنسية عن وضعيتها الأساسية الواعدة التي سبق اعتمادها في القصر الجمهوري وقصر الصنوبر، ومع مرور أيام معدودات على مباشرة عملية التشكيل، أطلّت علينا أوضاع السلبيات الأساسية والإختلافات المقصودة التي لطالما عانى اللبنانيون من مطبّاتها ومساوئها، وعدنا وبشكل واضح وفاضح، إلى لغة المحاصصة المقيتة وحجز المقاعد الوزارية الدسمة برسم الطوائف والمذاهب والمصالح الشخصية الفاضحة، وأطلت رؤوس كانت قد غابت عن الساحة بعض الشيء، لتطلق أصواتها وأهدافها ومصالحها وتفخّخ لضرب المسيرة الإيجابية التي استجدّت، وفي طليعة من أطلّوا علينا بجملة من الاهتزازات المشغولة، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي كثرت مداخلاته المعرقلة لكل تشكيلة وزارية مقترحة مع تشبثه بالمواقع الدسمة التي كانت له وما تفرّع عنها من منابع مستمرّة ترى المصلحة العامة متمثلة في مصالح فئات وجهات وأشخاص متفرّعي المواقع والمطالب والأهداف التي تمارس على حالها المتكررّة والمتفاقمة منذ قرابة العشرة أعوام. كما كثرت تطلعاته إلى غدٍ رئاسي يضمن له الوصول إلى المنصب البرّاق، بعد أن اقترب العهد من نهايته المقبلة بعد أن تبدلت الأوضاع من حال إلى أحوال.

وزاد في الطين بلّة، ما استجد من أوضاع على الساحة الفرنسية من خلال التفلّتات الأمنية ذات الطابع الديني المنحرف، وتشاء الظروف أن تقتحم هذه المستجدات مواقع دينية حسّاسة تتناول بصورة مؤسفة، النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، إنطلاقا من رسوم كاريكاتورية مشبوهة المقاصد، تناولت سموّ موقعه وقدسيته، ولئن كان هذا الأمر المستنكر لا يبرر وصول التصدي للمسيء إلى هذا التصرف البغيض الذي وصل إلى حدّ قطع الرؤوس والتمثيل بالأجساد، بينما التصدي الحضاري المطلوب يكون باللجوء إلى القضاء والإستحصال على أحكام رادعة بحق الشخص المسيء، ذلك أن حرّية الرأي والقول والتصرف يقتضي أن تقف عند حدودٍ لا تطاول الحريات الدّينية وقدسية العقائد التي ينتمي إليها المواطنون المستاؤون من تصرفات هوجاء لا تدرك ما تفعل من سوءٍ وأذى لقضيةِ تعايش الأديان، وهي في بلادنا خاصة، قضية بالغة الأهمية نعوّل على سلامتها وديمومتها وتطورها الإيجابي، وتعتبر بلادنا نموذجا مثاليا لهذا التعايش المرغوب والمطلوب والذي من دونه، تنقلب الدنيا بأسرها راسا على عقب، الأمر الذي يرفع من مرتبة الاقتراح الذي تقدم به سماحة شيخ الأزهر مطالبا بقوانين دولية تمنع التعرض للأديان وقدسياتها، شأنها في ذلك شأن القوانين التي تعاقب على التعرض للمبادئ والمواقف المعادية للسّامية، التي أوجدها الغربيون، عقب المذابح التي طاولت اليهود في أوروبا، وللعالم الغربي في هذا النطاق تجارب وإجراءات وعقوبات أصابت كلّ متعرض وكل متجاوز لهذا القانون، وما تعلق بالمبادرة الفرنسية في لبنان، فلا شك أن مستجدات الأحداث في فرنسا قد كان لها أثرها في تخفيض درجة الإهتمام بالوضع اللبناني إلى حدود مغايرة ومتباطئة باتت جد ملموسة.  

ومما زاد في أوضاعنا طينا وبلّة، حلول موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وتوقعات متناقضة لنتائجها، ولموقف كلّ من المرشحين المتنافسين منها في حال فوز أحدهما على الآخر، أو في حال تمرّد أي منهما على النتائج إذا لم تكن في مصلحته، توقعات وتحّسبات وحسابات عديدة تُطرح في هذا الإطار وتوقعات نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية تلقي بمجمل الأوضاع في لجة متناقضة من التوقعات الهامة. وهناك من يسعى إلى خلخلة التأليف الحكومي الجديد وإبعادِه من الحصول القريب، طمعا في مكاسب ومطالب تطفو على الساحات العامة بما يتناسب مع الفئات المتنازعة والأحكام المقبلة التي ستطاولها، ومن يدفع الثمن في لبنان، هو المواطن اللبناني المظلوم والمسحوق بكل نواحي حياته ومستقبل وطنه وأبنائه. وبكل بساطة، إن عرقلة تأليف الحكومة وإبعاد المبادرة الفرنسية عن عملية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حاضر اللبنانيين ومستقبلهم، يشكل مسرحية مزعجة مستمرة بخلافاتها المحليّة الحادّة على المناصب والمكاسب والأهداف التي تأخذ في طريقها، الناس أرواحا وأرزاقا ومؤسسات فضلا عن مستقبل أبناءٍ بات همهم الخروج من هذا البلد شديد الاهتزاز ضمانا لحياتهم ولمستقبلٍ لهم على حدٍّ أدنى من الاستقرار، وهذه الحال القائمة المتحكمة بمصير اللبنانيين أرضا وشعبا ومؤسسات ترفض بكل الوسائل المتيسرة لها أن تحسب حسابا لهول ما تقترف ولفداحة ما تسببه للناس من آلام ومواجع، ومخاطر شديدة الوقع والأثر.