بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2017 12:44ص عروبة جديدة في ظلال الدولة الفدرالية

حجم الخط
يذهب الأكراد بعد الإستفتاء الى إعادة الانضواء مجدداً تحت الدولة الاتّحادية، ويبدأ الجموح نحو الاستقلال مساره نحو العقلنة والواقعية. تغيير إسم المجلس الذي أشرف على الإستفتاء من المجلس الأعلى للإستقلال إلى المجلس القيادي لكرد العراق ينطوي بحدّ ذاته على الاعتراف بمركزية الدولة وعلى إسقاط ظاهري على الأقل، لأيّ طموح نحو شمولية التجربة لأكراد كلّ من تركيا وإيران وسوريا. تشكّل  دعوة المرجع علي السيستاني الى الحوار مناورة إستيعابية غبّ الطلب نحو إيجاد مخارج لائقة لكلّ من الحكومة العراقية وللسيد مسعود البرزاني على السواء. أخطأ البرزاني في تقدير الهدف من الرعاية الأميركية التي مكّنت الكرد من زيادة قدراتهم العسكرية ومن الإضطلاع بدور متزايد أثناء الحرب على داعش  ومن الإنتشار خارج حدود الإقليم. فاته أنّ الحلم الإستقلالي يقع ضمن لائحة الممنوعات الأميركية وأنّ واشنطن ستكون أول من يطلق عليه رصاصة الرحمة.  انكفأت إربيل ولو مُكرهة وعادت للإلتزام بالدستور، ولم تُبدِ إيّ ردة فعل تجاه طلب بغداد تسلّم المعابر الحدودية مع كلّ من إيران وتركيا بعد إغلاق المطارين أمام الرحلات الدوليّة.
على الضفة السورية يمرّ الكرد بالتجربة عينها. سمحت الرعاية الأميركية لهم بإطلاق عملية غضب الفرات التي مكّنتهم من السيطرة على أكثر من ثلاثة أرباع محافظة الرقة، كما سمحت لهم وبالتزامن  بإطلاق  عملية عاصفة الجزيرة لتحرير الريف الشرقي لدير الزور، وما تبقّى من مناطق شرق النهر في منطقة الجزيرة. ويترافق هذا الدور الميداني الواعد مع انطلاق قطار إنتخابي في شمال سوريا أُنجزت منه المرحلة الأولى، عبر انتخابات مجالس الأحياء التي شارك بها العرب والسريان إلى جانب الكرد. انتخاب مجالس المقاطعات في الثالث من نوفمبر القادم قد يأتي متوّجاً لانتهاء عمليتيّ غضب الفرات وعاصفة الجزيرة من تحقيق أهدافهما. وبذلك يكتمل الجزء الأساسي من البنيّة السياسية للمضي قدماً في تكريس الدولة الفدرالية في الشمال السوري.
التسويات السياسية القادمة إلى سوريا بعد العراق، تعكس الفشل الذريع الذي مُنيّت به الدولة الوطنية التي لم تنشأ في العالم العربي، والذي أدّى إلى تعميق الإنتماءات المذهبية والإثنيّة والولاءات الشخصانية، كما أدى إلى تكريس نموذج الدولة الأمنيّة وسرمديّة القائد على حساب دولة المواطنة والمشاركة السياسية. النموذج الفدرالي هو البديل الحتمي عن الدولة القومية والدولة الدينية على السواء، والذي ستأفل معه العروبة كمفهوم سياسي راديكالي جامد تحدّد على أساسه معايير الولاء والإنتماء، كما ستطوى معه صفحة الإسلام السياسي كنموذج حكم، لصالح نموذج يتعامل مع الدول ككيانات لها أدوار ووظائف اقتصادية وأمنية .   
إسقاط القضايا التي ارتكزت عليها العروبة السابقة وتثبيت نقاط الارتكاز الجديدة للمنطقة سيساهم في تقويض ما تبقى من النظام القديم. رعاية القاهرة للمصالحة الفلسطينية وعودة حكومة الوفاق إلى غزة لممارسة مهامها يقدّم دليلاً لا يرقى إليه الشك عن دور مصر المحوري، بما يعني استئناف المسار التفاوضي،  وإقصاء كلّ من سوريا وإيران بما يعنيه ذلك من إعادة تشكيل المنطقة على قاعدة الصراع السني الشيعي المفتوح. وفي هذا المجال يمكن فهم ما أدلى به الوزير عادل الجبير: «....انّ الصراع العربي الإسرائيلي  يظلّ أطول نزاع تشهده المنطقة في تاريخنا المعاصر..... وإننا لا نرى مبرراً لاستمرار هذا النزاع خصوصاً في ظلّ التوافق الدولي حول الحل القائم على دولتين والمستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنّ توافر الإرادة الدوليّة الجادّة من شأنه ترجمة مبادئ الحل إلى واقع ملموس».
الدخول الى مرحلة فدرلة المنطقة لا يعني إسقاط نموذج تقسيم المنطقة الى دويلات والتمسّك بخرائط سايكس بيكو إلى الأبد. الأنظمة الفدرالية الجديدة ستكون أمام امتحان الإلتزام بالأدوار والوظائف الجديدة، كما أمام امتحان احترام الدساتير بما تعنيه من احترام الحقوق وتكافؤ الفرص وتطبيق المواطنة، وإسقاط نظريات تحالف الأقليات والأكثريات الطائفية والقوميّة، التي أرستها المرحلة السابقة لصالح ديمقراطية مجتمعية تقوم على المشاركة  والمصالح المشتركة لكافة المكوّنات السياسية. 
صحيح أنّ مفاوضات بغداد ستفضي الى تثبيت الدولة الاتّحادية ولكنّ المفاوض الكردي الذاهب الى بغداد سيحمل في جعبته نتيجة الإستفتاء على الاستقلال التي تشكّل ورقة قوة للمطالبة بتطبيق الدستور وبتحقيق المشاركة، وقرينة بيدّ المجتمع الدولي تُشهر بوجه الأنظّمة الجديدة تحت طائل إعادة النظر بالخرائط والحدود في حال الإخفاق. الأفق السياسي لاستفتاء كردستان العراق سيشكّل مثالاً يُحتذى أمام كلّ المجموعات الطائفية والإثنيّة  الرازحة تحت جور الأنظمة الأمنية أو تلك التي سحقها التمدّد الإيراني  في كلّ من العراق وسوريا واليمن وربما لبنان.