ان خسارة من نحب امر صعب، فكيف اذا كان من الشخصيات التي لن تتكرر، والتي ارتبط اسمها بالزمن الجميل، حيث كان للقيم والمبادئ مكانة مهمة، وكانت الصداقة ترمز الى قدسية العلاقات الإنسانية والخصومة تتم بشرف.
لقد خسرت أسرة عبد الغني سلام الصغيرة وأسرة اللواء الكبيرة علماً من اعلام الصحافة الراقية، قلما حرا وفكرا وطنيا بامتياز، مدافعا شرسا عن الحق من دون ان يعرف الخوف طريقا اليه! رفع راية الاعتدال والانفتاح دافعا ثمن وطنيته غاليا. لم ييأس يوما او يفقد الإيمان بلبنان، حتى خلال احلك سنوات الحرب المظلمة، كان التفاؤل بنهاية كابوس الاقتتال العبثي ونهضة الوطن عقيدة وليس شعورا وحسب.
اما بيروت، المدينة الاغلى الى قلبه والتي حمل همها دون كلل او ملل، فتفانى في خدمة أهلها وقضاياهم بدءا من أهل رأس النبع المنكوبين بعدما تحولت هذه المنطقة، والتي كانت قلب بيروت النابض، الى خطوط تماس فتهجّر أهلها وتقطعت بهم سبل العيش من دون ان يلتفت اليهم احد.. اما مسجد الأمين، فلم يهدأ له بال حتى تم التوافق مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري على اعادة بنائه.. من دون ان ننسى الخطوة السباقة في حينها عندما أقام موائد الرحمن وانطلقت من مكاتب اللواء نفسها، حيث شعر كل فرد من أسرة الجريدة انه معني بهذا المشروع وان الأجر والثواب من نصيب الجميع.. ملفات كثيرة وحملات تعجز بضعة اسطر عن اختزالها قام بها من خلال منبر «اللواء» حماية لمفهوم الدولة ومؤسساتها.. انه فيض من غيض لانسان ترك بصمة طيبة أينما حل، وعلى الرغم من ان الكمال لله تعالى، الا ان دماثة اخلاق العميد وحبه للخير وسعيه الدائم لخدمة كل من احاط به كانت كفيلة بترجيح كفة ميزان الحسنات عنده، وسواء اتفقت معه او اختلفت، فلا يمكن الا ان تحترمه وتقدر ذكراه العطرة أينما حل.
لقد مر ما يزيد عن الأربعين يوما على الفراق المر، ويبقى العزاء الوحيد إحاطة الأصدقاء والمحبين مع كل ما يحملون من ذكريات جميلة وتاريخ نضال طويل وذكرى عزيزة لمواقف جعلت من عبد الغني سلام اخاً وصديقاً وحاملا للواء الحق لا يُنسى، تاركا وراءه ميراثا وطنيا عريقا ومؤسسة ناضلت من اجل حقوق بيروت خاصة ولبنان عامة، من دون ان يحيد يوما عن مسار الحوار والانفتاح والاعتدال.
الى انه «لا يصح الا الصحيح ولا يبقى الا الأصح»، كما كنت دائما تقول، ستبقى «اللواء» عبر الأجيال القادمة على خطى الخير والسلام.. على خطاك وكما احببت!