بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الثاني 2019 12:44ص عندما يستعيد الشعب دوره كحسيب ورقيب!

حجم الخط
جاء خطاب الرئيس عون مع دخول الثورة شهرها الاول مخيبا لآمال الشعب المنتفض والثائر على واقعه المزري والمصمّم على تغييره مهما غلت الأثمان، فلم يشكل أية نافذة للخلاص او يفتح كوة في جدار السلطة المنيع والذي يصم آذان المسؤولين عن صرخات الشارع! فقد اعلن الرئيس رفض حكومة التكنوقراط المستقلة كون عناصرها غير متوفرة او هي من كوكب آخر، واستغرب غياب القيادة عن حراك الشارع، شأنه شأن أية ثورة شعبية، منكراً عليه حقه بفرض مطالبه والتي لا تتعدى كونها أدنى حقوقه كمواطن، مستهجناً عدم تجاوب الشارع مع السلطة وليس العكس، مصرّاً على التقليل من عدد المنتفضين والإصرار على تصويرهم كمجموعة لا تمثل أغلبية اللبنانيين تستولي على الطرقات وتقطع أرزاق الأغلبية الراغبة لعودة الحياة الى طبيعتها، مهددين امن الوطن واقتصاده، دون ان يغفل عن ذكر نظرية المؤامرة الكونية على العهد!

إذاً لا تجاوب ولا ملاقاة لمطالب الشارع ومسؤولية الدمار تقع على عاتق الثورة... وكأن المتآمرين من الداخل والخارج هم من فرضوا على حزب الله التدخل بالصراع الإقليمي والانخراط بالحرب في سوريا رغم كل التحذيرات، الداخلية قبل الخارجية من تبعات هذا التدخل مع كل ما يجر معه من عقوبات دولية معروفة وانعكاسها على استقرار لبنان المالي الهش أصلاً، وكأن المواطن هو من حوّل النفايات لملف قابل للابتزاز والمساومة في الشوارع وعلى حساب الصحة العامة وتلوث الهواء والمياه الجوفية وكل ما يتغذى منها... واللبناني هو من قرر رفض كل العروض الدولية لحل أزمة الكهرباء جذرياً بأقل كلفة لأنه يفضل استئجار البواخر بأعلى كلفة ليحافظ على فواتيره المضاعفة ويبقي هذا المرفق دجاجة تبيض ذهبا للقيمين عليه... واللائحة لا تنتهي عن ظلم هذه السلطة المستفيض لشعبها، ومن ثم إنكارها لادنى حقوقه بالمطالبة بتصحيح الأداء ووضع حد لهذا الاستغلال المقيت لوجع الناس ولقمة عيشهم بغية تمرير الصفقات والالتزامات دون حسيب او رقيب.

جاء خطاب الرئيس محبطاً ومخيباً لآمال شريحة اكثر من كبيرة قررت التضحية برزقها للوصول لغد أفضل، لاستعادة الثقة بالدولة واحياء الحلم بلبنان الوطن النهائي لابنائه الذي يؤمن لهم ابسط حقوقهم بالعيش الكريم، فألهب الشارع من جديد بعد ان كانت فتحت الطرقات وبقيت التحركات ضمن الساحات إفساحاً للمجال للوصول الى الحلول بدءا من حكومة مستقلة قادرة على انتشال لبنان من ازماته دون المتاجرة بها، الا ان ما سمعوه كان جملة خيبات أمل وإغلاق لكل سبل الحلول المرجوة.

فعاد النبض الى الشارع بقوة توازي الخيبة وعلت الصرخات من شتى الفئات رفضاً لدعوة الهجرة المستنكرة، خاصة من قبل تيار سعى على مدار الفترة السابقة للانتخابات على تسخير كل مقدرات وزارة الخارجية للتواصل مع المغتربين وكسب اصواتهم ودعوتهم للانخراط بالحياة السياسية والاقتصادية لوطنهم الأم! ولعله من ابشع ارتدادات الخطاب مقابلة وجع الناس بالعنف وسقوط شهيد الثورة الثالث امام اعين زوجته وإبنه في خلدة، وظهور مسلح في جل الديب، في رسالة واضحة ان إمكانية وضع شارع مقابل شارع لا تزال قائمة وانه لا نية للسلطة للتراجع وكأنها معركة وجود. 

ما فشلت هذه السلطة حتى اليوم في استيعابه والبناء عليه انه لا عودة لما قبل الثورة، فالتسوية السياسية التي قوّضت مفهوم الديمقراطية الذي ميّز لبنان عن محيطه، كونها أبطلت دور مجلس النواب الرقابي على اداء مجلس الوزراء بما انهم فريق واحد، وأسقطت ديناميكية العمل الديمقراطي الصحيح المبني على المعارضة والموالاة لضمان المساءلة والمحاسبة من اكثر من طرف، لم تعد سارية لان الشعب قرر استرداد دور الحسيب والرقيب.

 وليس صحيحاً ان التوافق الوطني يعني تمثيل الجميع في الحكومة ومجلس النواب لان هذا يعني تواطؤا على الحقوق المواطن ومصالح الوطن وتعطيلا للأجهزة الرقابية وحتى العمل القضائي، عندما يكون كل تعيين خاضعاً للسلطة السياسية والمحسوبيات الحزبية والتوازن الطائفي البعيد كل البعد عن معايير الكفاءة!

ان تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ليست شعارا ثوريا برّاقاً ولا ترفاً سياسياً يستهوي الناس الصامدة في الشارع، بل هي الخطوة الاولى لاستعادة الديمقراطية اولا واستبدال الاستزلام بالكفاءة ثانياً، لان الوضع الاقتصادي القابع على شفير الانهيار لم يعد يحتمل إخفاقات نتيجة التعنت والادعاء الفارغ  بمعرفة الشيء، والإفلاسات للمؤسسات الخاصة وارتفاع البطالة ونسب الفقر لدرجات غير مسبوقة لم تعد تحل بسياسات ترقيع من هنا وهناك مراعاةً لمصالح وتوازنات معينة.

إن الفريق المعارض لحكومة التكنوقراط يملك الأغلبية في مجلس النواب، ومن واجبه ومن موقع مسؤوليته لما آلت اليه الأوضاع المعيشية والاقتصادية نتيجة سلسلة محاولات فاشلة لحل الأزمات المتراكمة، ان يعطي فرصة لأخصائيين في الحكومة وليمارس دوره الرقابي عليهم من خلال السلطة التشريعية، تفادياً للانهيار الكامل الذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من الدولة!