بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 تشرين الأول 2018 12:05ص لا تدفعوا الرئيس المكلف الى تسوية مخزية

حجم الخط
تستدعي عملية اجراء انتخابات نيابية عامة في الأنظمة الديمقراطية، دستوراً وعرفاً، أن تستقيل الحكومة من أجل اتاحة الفرصة لتشكيل حكومة جديدة تحقق الخيارات التي عبر عنها الناخبون من خلال النتائج التي حصلت عليها مختلف الأحزاب والقوى السياسية التي خاضت الانتخابات على أساس وعود وبرامج واضحة تصبو الى تحقيقها من خلال مشاركتها في الحكومة الجديدة. هذا هو الخط البياني الذي على أساسه يجب ان تتشكل حكومة ما بعد الانتخابات في أي نظام برلماني متوازن، تتقيد فيه الأحزاب والقوى السياسية بنصوص الدستور والأعراف البرلمانية، والتي تؤكد على ضرورة ان يكون في المجلس أكثرية تحكم واقلية تعارض. اما في لبنان فليس هناك من خط بياني يفصل بين القوى السياسية ليحدد من هي الأكثرية التي نالت ثقة المنتخبين والتي يفترض ان تشكل الحكومة وتدير السلطة استنادا الى التفويض الشعبي المعطى لها، ووفقاً لآليات وقواعد الدستور والقانون والأعراف البرلمانية.
من هنا فقد بات من الطبيعي والواقعي ان تشهد عملية ولادة الحكومة في لبنان سواء بعد الانتخابات مباشرة او خلال فترة ولاية المجلس النيابي مخاضاً عسيراً ومؤلماً، يعطل العمل الحكومي دون النظر الى الاستحقاقات الصعبة والداهمة الى تواجهها البلاد، وان يطول هذا المخاض لأشهر طويلة. لكن، كان من المأمول والمتوقع ان تختلف مقاربة تشكيل الحكومة «العتيدة» عن كل سابقاتها وذلك انطلاقاً من جملة معطيات سياسية ووطنية واستحقاقات خطير داهمة من أبرزها: 
أولاً، جرت الانتخابات في بداية عهد جديد، انتخب فيه الرئيس ميشال عون ضمن تسوية سياسية عابرة لكل التيارات السياسية، والتي قررت مواجهة اخطار الفراغ الرئاسي بتجاوز جميع خلافاتها السياسية والأيديولوجية، وأن ترص الصفوف من أجل إعادة تكوين السلطة من خلال انتخاب رئيس قادر على جمع البلاد حوله، من أجل إطلاق عملية إصلاحية شاملة، بدءاً من انتخاب مجلس نيابي جديد يحل مكان المجلس النيابي الممدّد لنفسه تكراراً، تحت حجج واهية أبرزها «عجزه» عن التوافق على تشريع قانون انتخابي جديد. 
ثانياً، جرت الانتخابات النيابية ولم تتمخض عن نتائج تغيّر جذرياً في حجم وتوجهات الأحزاب والقوى السياسية في البلد، وخصوصاً ما يعود منها الى تمثيل القوى الوازنة داخل مختلف الطوائف، فبقيت التوازنات التقليدية التي كانت قائمة في السابق، باستثناء اختراقات ثانوية. 
ثالثاً، فرضت نتائج الانتخابات، بالإضافة الى التوافقات التي شكلت جزءاً من «التسوية الرئاسية» على أكثرية القوى السياسية اختيار الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة، والتي كان الرئيس عون قد اعتبرها حكومة العهد الأولى، والتي يعول عليها لإطلاق مسيرة الإصلاح والتغيير. لذلك كان من المتوقع ان تسهل جميع القوى مهمة الحريري لتشكيل الحكومة، وأن تجهد ليعم الانسجام والفعالية في داخلها بحيث تستطيع العمل لإنجاح العهد وإعادة بناء الدولة، والنهوض بالاقتصاد من أزمته الراهنة. وهذا ما لم يحدث، حيث وقعت عملية التشكيل فريسة مطامع الكتل والقيادات السياسية لزيادة مكاسبها في السلطة والنفوذ، وتحول الجميع الى «أكلة للجبنة» وفق ما كان الرئيس فؤاد شهاب ينعت به السياسيين.
رابعاً، نجح الرئيس الحريري بصبره ومرونته في تجاوز كل الحواجز والعقبات التي أظهرتها عملية التهافت على الحصص والوزارات «الدسمة» وكان من المفترض ان تنتهي جهود التشكيل مع حل عقدة القوات اللبنانية. لكن، يبدو ان عملية «تطويع» الحريري لم تنته بعد، حيث هدد حزب الله بوضع «فيتو» على الحكومة إذا لم يتمثل فيها «سنّة 8 آذار». يأتي ذلك كمحاولة مكشوفة لإحراج الحريري وطنياً وسياسياً، وعربياً ودولياً، حيث انه يمكن اعتبار رضوخه لهذا الشرط بمثابة سقوطه كلياً، هو وحكومته ومعهما العهد، تحت سيطرة وهيمنة حزب الله، في وقت يستعد فيه الاميركيون، الى فرض المزيد من العقوبات القاسية ضد الحزب وكل من يتعاون معه، مع قابلية ظاهرة للقوى الدولية الأخرى للانصياع للمشيئة الأميركية. 
في ظل هذه المحاولة الأخيرة لتعقيد الأمور من قبل حزب الله، وفي ظل التشابك والتفاعل بين المشاكل الداخلية والإقليمية والدولية، مع كل ما تنطوي عليه من تناقضات بسبب أوضاع لبنان الخاصة والادوار الخارجية والداخلية التي يلعبها الحزب خارج إرادة السلطة اللبنانية، بات لزاماً على الرئيس عون أخذ المبادرة لتجاوز «فيتو سنّة 8 آذار» وبالتالي معالجة غطرسة حزب الله، والحؤول دون دفع الرئيس الحريري الى مواجهة تسوية مخزية قد تدفعه الى الاعتذار والتنحي وبالتالي فتح الباب للدخول في ازمة سياسية طويلة تعطل مسار العهد ولبنان.