بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2019 12:06ص لا سلطة... والمأزق مستمر

حجم الخط
يعيش البلد في حالة من الفراغ في السلطة منذ أن استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري تحت تأثير الضغط الذي مارسته جموع الشعب اللبناني الذي انتفض ضد الطبقة السياسية بعد أن اتهمها بالعجز والفساد وسرقة المال العام، مطالباً برحيلها بالكامل، تحضيراً لاستبدالها من خلال إجراء انتخابات عامة مبكرة. وأدت الانتفاضة الشعبية المفاجئة والصادمة الى شل الاقتصاد الوطني والى نشوء أزمة مصرفية حادة باتت تهدد بالإفلاس المالي وبتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مع كل ما يمكن أن يرافق ذلك من اهتزازات اجتماعية وزيادة مطردة للفقراء.

تعامل العهد وكل القيادات السياسية خلال هذه الأسابيع الطويلة والضاغطة، بخفة مع مفاعيل الأزمة الراهنة، وذلك من خلال الاستمرار بالبحث عن تشكيل حكومة بديلة عن الحكومة المستقيلة، بعيداً عن أي إدراك لخطورة الإنهيار المالي والنقدي على مدخرات الشعب ولقمة عيشه. سلك العهد في مقاربته لتشكيل الحكومة مسلكاً مخالفاً لنص الدستور وللأعراف، متجاهلاً الانتفاضة وما ترفعه من مطالب. وكان من الطبيعي، في رأينا، أن تصل المقاربة المعتمدة الى الحائط المسدود، بعد أن أحرقت عدداً من الأسماء البارزة من بين المرشحين لتولي رئاسة الحكومة العتيدة، كما تسببت بتأجيل الاستشارات النيابية، وبالتالي الدفع بتسمية الرئيس المكلف الى المجهول وبما يهدد بالدخول في أزمة سلطة لفترة طويلة، مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية واقتصادية ومالية واجتماعية.

بعيداً عن المغالاة والتجني على أحد يمكن الاستنتاج من سلوكية الرئيس عون وكل القوى والأحزاب الرئيسية بأنهم لا يستعجلون البحث عن حل سياسي يتجاوب مع مطالب الإنتفاضة، وهم يمعنون في مواقفهم ومناوراتهم السياسية كسباً للوقت، أملاً بوهن الإنتفاضة وتفككها وتلاشيها تحت تأثيرات الظروف المناخية القاسية والضغوط الأمنية، ومع المراهنة على نشوب خلافات وانقسامات حادة بين مكوناتها.

اللافت في الأمر، أن عملية تسمية رئيس مكلف قد عادت في نهاية الإسبوع المنصرم إلى نقطة البداية بعد انسحاب المرشح سمير الخطيب بمسرحية درامية، وبالتالي إعادة تعويم تسمية الرئيس سعد الحريري كمرشح وحيد للطائفة السنية، وبمبادرة خاصة وشخصية من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الأمر الذي أثار إنتقادات لاذعة من قبل قيادات سياسية سنية.

لو سلمنا جدلاً بأن الاستشارات النيابية سلكت طريقها لتسمية الحريري لتشكيل الحكومة، فهذا يطرح السؤال الجوهري حول شكل ومكونات الحكومة التي سيعمل الحريري على اقتراحها على الرئيس عون: هل تكون حكومة كفاءات، مشكلة من مستقلين، وتتجاوب بالتالي مع ما تطالب به الانتفاضة؟ أم سيتراجع الحريري عن مطالبه التي سبق وأعلنها، والقبول بتشكيل حكومة تكنو-سياسية وفق الصيغة التي جرى الحديث عنها في الأسابيع الماضية؟

نسارع الى القول بأن الحكومة التي يريدها الحريري والقوى المتحالفة معه سيرفضها الثنائي الشيعي، ومعه الرئيس عون والتيار الوطني الحر. ومن المرجح أن يرفض الحريري التجاوب مع الصيغة التي يريدها حزب الله والتي تؤكد على تمثيله في الحكومة وتأمين الحد الأدنى من الحماية الشرعية له في مواجهة الأخطار المحلية والدولية المطالبة بعزله.

في النهاية يبدو بأن المأزق الراهن الذي تواجهه عملية تشكيل حكومة ترضي الشارع، وقادرة على معالجة الأزمة الخطيرة والمتعددة الأبعاد التي تواجهها البلاد مرشح للإستمرار لأشهر عديدة. والمؤسف في الأمر تعاطي كل القوى السياسية مع الأزمة في غياب كلي للواقعية السياسية ولروح المسؤولية، وهم لا يخجلون من شعبهم أو من قيادات الدول الأجنبية والعربية التي ستجتمع في باريس اليوم بدعوة من الحكومة الفرنسية لتدارس السبل لمساعدة لبنان والحؤول دون إفلاسه. بات ينطبق على القوى السياسية اللبنانية القول المأثور: إن كل الذين يستحون قد ماتوا، وإن الدعوة للتخلص من كل السياسيين باتت ملحة مشروعة.