بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2018 12:22ص لبنان بحاجة لحكومة طوارئ بدل حكومة سياسية متخاصمة

حجم الخط
في الوقت الذي يدق فيه صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له جرس الإنذار للسلطة اللبنانية بوجوب اعتماد سياسة واضحة لزيادة الواردات وضبط وترشيد الإنفاق كخطوة على طريق الإصلاح وتأمين خدمة الدين العام والذي تجاوزت نسبته على الناتج المحلي 150 في المئة، يستمر دوران عجلة تشكيل الحكومة على رتابته بعد مرور مما يزيد عن أربعة أسابيع على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها. لا يبدو أن لدى جميع أهل السياسة أي شعور بضرورة تسريع تشكيل الحكومة العتيدة من أجل الانطلاق في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وبالتالي تحقيق الإلتزامات التي قطعها لبنان في مؤتمر «سيدر»، واستعادة الثقة بأوضاعه الاقتصادية والمالية التي طلبتها الدول والمؤسسات التي وعدت بدعمه بما يزيد عن 11 مليار دولار كقروض ميسرة. 
بالرغم من التطمينات التي يطلقها الرئيس المكلّف بأن جهود تشكيل الحكومة تسير في طريقها الصحيح وبأن ولادة الحكومة ستكون قريبة، إلا أن الأخبار المتداولة حول مطالب مختلف الأحزاب والكتل النيابية ما زالت تؤكّد وجود حواجز وعقبات كأداء تحول دون تجاوزها سواء لجهة الحصص في التشكيلة أو لجهة الحصول على وزارات أساسية. 
في رأينا وبالرغم من أننا أمام عملية تشكيل الحكومة الأولى للمجلس النيابي الجديد، وحكومة العهد الأولى وفق تصريحات سابقة للرئيس ميشال عون، فإن مختلف الكتل النيابية لا تشعر بضرورة تسهيل تشكيل الحكومة للإنصراف لمعالجة الأزمات المتفجرة أو المتراكمة التي يواجهها البلد أمنيًا واقتصاديًا، بالإضافة إلى أزمة النزوح السوري الضاغطة محليًا وإقليميًا ودوليًا. 
في الواقع يمكن للرئيس المكلّف أن يرفع سقف التوقعات بتشكيل حكومة «وحدة وطنية» وأن يبدي تفاؤله بولادتها القريبة. ولكن ذلك لا يدعو للتفاؤل لدى الهيئات الاقتصادية أو لدى الناس، حيث يدرك الجميع بأن الحكومة لن تشكل على أساس أنها حكومة «طوارئ» قادرة على تحقيق العملية الإصلاحية المطلوبة، وحلّ الأزمات الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها البلد منذ سنين عديدة. 
مخطئ من يعتقد أنه يمكن التعويل على هذا المجلس النيابي «الجديد» لانتاج حكومة «إصلاحية» قادرة على التصدي للأزمات التي يواجهها البلد وخصوصًا على الصعيدين الأمني والاقتصادي. لم ينجح القانون الانتخابي النسبي في إحداث أي تغيير في النخب السياسية، حيث اقتصرت النتائج على إجراء تعديل في موازين القوى بين الأحزاب والتيارات السياسية الممثلة فيه. لم تتقدم أي من الأحزاب والتيارات بأية برامج سياسية أو إصلاحية للناخبين، واقتصرت مقاربتها على الزبائنية التقليدية وعلى خطاب طائفي مبتذل ومكشوف. 
اللافت وفي معرض البحث عن تذليل العقبات التي تؤخّر إعلان تشكيل الحكومة تخوض الأحزاب والكتل الأساسية المرشحة لدخول الحكومة معارك سياسية وإعلامية فيما بينها، وذلك ضمن مناوراتها لزيادة حصتها في الحكومة، أو للحصول على وزارات أساسية. ولا توحي حدّة وطبيعة الإشتباك الحاصل بينها بإمكانية إيجاد أية أرضية سياسية مطمئنة لبلورة برنامج سياسي واقتصادي جامع. 
يترافق «صراع الديوك» بين تكتل لبنان القوي مع تكتل الجمهورية القوية حول حصة وموقع كل منهما في الحكومة الجديدة، مع صراع سياسي أعمق وأوسع بين الكتل النيابية، يرتبط بالبعدين الإقليمي والدولي حول دور إيران وحلفائها في لبنان والمنطقة، وبالتالي إعادة تعويم النظام السوري في لبنان. في هذا الصراع السياسي ما يكفي من المؤشرات لقيام حكومة مشتتة الولاءات والتوجهات، تعصف في داخلها أزمات طارئة، تعطل عملها وقدرتها على القرار للتصدي للأزمات الأساسية والمزمنة والمتعلقة بالسيادة والأمن والنمو الاقتصادي وتأمين فرص العمل، وإعادة النازحين السوريين. 
يبقى الأمل في أن يدرك الرئيس عون، وهو ما زال في بدايات عهده مدى عجز النخب السياسية التي جدّدت لنفسها في الانتخابات الأخيرة على انتاج حكومة منسجمة وقادرة على السير قدمًا في ما وعد بتحقيقه من إصلاح وتغيير، وبأن البديل العملي لمحاولات تشكيل حكومة سياسية يبقى في تشكيل حكومة «خبراء» قادرة على وضع رؤية جديدة موحدة للإصلاح واجتراح الحلول الناجعة. إن لبنان بأمسّ الحاجة لحكومة «طوارئ» قادرة على القرار بدل حكومة سياسية مشكلة من «نخب سياسية» فاشلة وفاسدة سبق لنا أن جربناها تكرارًا.